الاتجاه المعاكس العدد 51

تلقى أبو العيال هذه المرة تعليقا من أبي عيال آخر يتهمه فيه بأنه يكيل بمكيالين، على غرار ماهو شائع في النظام العالمي الجديد مصداقا لقول الشاعر

عين الرضى عن كل عيب كليلة ? وعين السخط تبدي المساويا

*****
أنت أبا العيال دائم الشكوى، وتنزل على الحكومة كل البلوى، كأن طبقتك التي نصبت نفسك مدافعا عنها معصومة من الخطأ، من يعطي الرشوة؟ من يتملق الكبار؟ من يورطهم؟ أنا-مثلا- أتقاضى أجراً زهيداً، وأحرس مكانا بعيدا، وتطلب مني أن أعيش زاهدا فريدا

إن كنا نحن أصحاب الرشوة نأخذ النزر اليسير، فأنت تستأثر بالقسط الوفير، وإليك بعض حالات شططك وتجاوز نصيبك وقِطِّك

أنت تشتري المسروق، أليست الأقراص المدمجة مقرصنة؟ أما تعلم أن مؤلفا بذل مجهوداً، وينتظر مردوداً؟ ثمن القرص الأصيل خمسمائة درهم، تشتريه أنت من السوق السوداء بسبعة فقط، وتتبرع – كفاعل خير- ببعض الكتيبات الورقية، كنت أصلا فيها من الزاهدين  مثلك مثل ذلك اللص الذي قصد فقيها وأخبره فخورا بأنه ارتكب معصية واحدة وأربع حسنات، فاستحسن الفقيه مسابقة الرجل إلى الخيرات، سأله حباً في الاستطلاع، وماذا فعلت يا ولدي؟ قال? سرقت بقرة، وتصدقت بكوارعها الأربعة، فأنت مثلا تسرق خمسمائة وتتبرع بخمسة، أما تعتبر هذا سلبا ونهباً؟ لست أحسن حالا مني، فإن كان بيتك من زجاج فلا تقذف الناس بالحجارة

وأنت صحفياً تتصور دائماً نفسك ملاكاً معصوماً، وأنا عون السلطة وموظفها مشبوهاً موصوماً، والحقيقة أنه منَّا الخيِّر ومنا دون ذلك، ومنكم أنتم كذلك

وأنت سائقا للسيارة، عندما تخالف قانونا أو إشارة، ترتدي جلد الحمل الوديع، وتزعم أنك مسكين وصنيع، ولا طاقة لك بالغرامة، لكنك مستعد للهدية والكرامة، وتراود مراقب السير على التغاضي، وتنفجر بدريهمات عند التراضي، وتلعنه في سرك، كأنه لوحده الآكل من الشجرة المحرمة، وتتبجَّح أنك بريء مما يعملون، وأنك تخاف رب العالمين

وأنت مدرساً تشارك في الإضرابات دون أن تسأل لماذا؟ وفي اليوم نفسه تتسلل إلى الدروس الخصوصية لواذاً، وأنا المسكين، إن نفحني مواطن بدراهم، تقول? ماهذا؟

وأنت تاجراً قاطع طريق أيضا، تسلب الزبناء أموالهم، وتضيق عليهم طرقاتهم، تقول أن البيع والشراء شطارة، وتزعم كاذباً أنك تبيع بالخسارة، وتحتل الملك العمومي، بكل جسارة، وتترك المارة يحتلون طريق السيارة، وعندما نببهك نحن أعوان السطة بإشارة، تستقطبنا بهدية أو إجارة، وتتهمنا -غيبة- أننا نشن عليكم الغارة، وأنكم صفوة الكادحين، ونحن -شفارة- مثلك مثل من باع القرد جاره، ثم سخر منه واعتزم احتقاره

وأنت راغبا في امتلاك شقة، تحملك رجلاك مختارا إلى مكتب المنعش، والمنكر تبيتانه يعشعش، تسلمه الملايين تحت الطاولة، وتشهد زوراً أنك قضيت كل طائلة، هل اشتريت فعلاً بثمن بخس؟ أي بخس أو رجس أو جبس؟  تواطأتما على استنزاف المالية العامة، والإجهاز على أحلام العامة
من ?الشفارî يا أبا العيال؟ المعسر المكدود أم الموسر المجدود؟ لم يُغرر بك أحد، نهبت مالاً وأنت في كامل وعيك  ولست محتاجا مثلي، أجرتي ربع أجرتك، وأسرتي مثل أسرتك، أنت تنفق بحسب قدرتك، أنا أيضا أتشبه  بحضرتك

كلنا مسؤولون، الحيتان الكبيرةتأكل الأصغر منها، والصغرى تلتهم التي تليها، كأننا في أعماق المحيطات، كل واحد ينعث الآخر بالصغائر، ويتربص به الدوائر، والأجدى أن نطفو على السطح، ونطلب من بعضنا الصفح، ونتدرج في مراتب الشفافية، ونتدرب بالترغيب والترهيب على أداء الواجب والمطالبة بالحقوق، إن تهمة واحدة مما تداولنا قمينة باستقالة وزير يحترم نفسه في الحكومات التي تحترم مواطنيها

لا لا   نحن لن نستقيل، الخلل ليس في الحكومة، الخلل فيك أبا العيال لأنك لا تتعاون مع الحكومة، الحكومة لم تأت من القمر، وكيفما تكونوا يُوَلَّ عليكم، وكيفما تُعامل الحكومة تعاملك، وإن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتكم خيراً

من هنا كان ينبغي أن تبدأ المبادرة، حتى قبل التطوع بالمغادرة، أما إلقاء النقد على عواهنه فمجرد مهاترة، كمن يجمع الصم في محاضرة، أما الأجدر بالعناية والمثابرة، فهو تخليق الحياة العامة بالمشاورة، وتجنيد وسائل الإعلام دون خلفية أو مناورة، ثم تفعيل القوانين المحاصرة، التي لا تطول ذوي الإصرار والمكابرة، عندها فقط يمكنك أبا العيال أن تنشر خطبتك المصادرة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top