لم تكد الحكومة المغربية تكمل شهرها الأول والذي لم يكتب له أن يكون عسلاً كله، حتى بدأت تتعرض للسعات النحل، فهاهو الرئيس الفرنسي يختم زيارته بمطالبة القاضي رامايل التحقيق مع مسؤولين كبار، وبينما كان ولي عهد إسبانيا في ضيافة المغرب طالب القاضي گارثون بالنظر في شكوى تقدم بها البوليساريو ضد مسؤولين مغاربة، وفي الوقت الذي أبدى فيه ثاباطيرو تفهماً لقضية وحدتنا الترابية في الجنوب وهو يوزع ابتساماته بسخاء، ويتقبل “بروح ديمقراطية ” مداعبة وسائل الإعلام له وتركيزها على لكنته التي ينطق بها حرف الدال ثاء فيقول “Libertaz”Fraternidaz-Hermandaz والصواب أن ينطق الحرف الأخير دالاً، تقبل تعاليق الصحافيين ورد عليهم بأنه سعيد بهذه الديمقراطية التي ترفل في حللها إسبانيا، وتوسمنا في الرجل الوسيم خيراً، فإذا به يدس السم في العسل ويقلب ظهر المجن . لم نكن لنستغرب لو أن مثل هذا الأمر صدر عن حكومة منبثقة عن حزب يميني، أما أن يصدر عن حكومة الحزب العمالي الاشتراكي PSOE ، حزب الوردة، فهنا الغرابة، كيف يخفي ثاباطيرو وردته اليانعة، ويقدم بدلها الأشواك؟! أهي حملة انتخابية قبل أوانها؟ أهي رد على معارضيه في الحزب الشعبيP.P الذين كانوا يدعون إلى انتهاج سياسة التشدد مع المغرب، فإذا بثاباطيرو يثبت لهم أن ابتسامته صفراء، وأنه سيكشر عن أنيابه على حين غرة.
ما فتئ المغرب ومنذ أيام الملك الراحل الحسن الثاني يدعو للحوار من أجل إيجاد حل لقضية سبتة ومليلية، فاقترح إنشاء خلية للتأمل مكونة من الطرفين للبحث عن حل لهذه القضية، لكن إسبانيا لم تعر اهتماما لهذا المقترح المغربي، وبقيت القضية قضية .
اهتمت الصحافة الإسبانية بأمر الزيارة التي يزمع ملك إسبانيا القيام بها إلى مدينتي سبتة ومليلية المحتلتين، إليكم هذه الشذرات:
أولت جريدة ABC.ES اهتماماً خاصا بهذه الزيارة حتى قبل الإعلان عنها رسمياً فكان لها السبق في إشاعة الخبر عن طريق “مصادر إسبانية رسمية ” صرحت لها أن الملكين خوان كارلوس وعقيلته صوفيا سيقومان بزيارة رسمية إلى سبتة ومليلية، يومي الإثنين 5 والثلاثاء 6 شتنبر، ونشرت ارتسامات وردود فعل الجانبين المغربي والإسباني، فبقدر ما كانت الصدمة قوية على المغاربة الذين لم يستسيغوا القرار الإسباني، وركنوا إلى التعلق بأوهى خيوط أمل إلغاء الزيارة، بقدر ما ابتهج سكان المدينتين السليبتين من ذوي النزعة الاستعمارية، فهذا VIVAS رئيس الحكومة المستقلة في سبتة يتأسف لرد فعل المغرب على الزيارة المعلنة للعاهل الإسباني للمدينتين المستقلتين، كما عبر الحزب الشعبي P.P في مليلية المحتلة عن عظيم ارتياحه لزيارة صاحبي الجلالة ملكي إسبانيا، واعتبر هذه الزيارة تاريخية وتحقق أمنية جميع المليليين الذين طال انتظارهم لها.
كما اهتمت El mundo.es في عددها ليوم فاتح شتنبر بلهجة المبارك، أن هذه الزيارة ستؤكد السيادة الإسبانية على المدينتين، وأن المغرب كان على الدوام يبدي امتعاضه وتصلبه كلما حظيت المدينتان بزيارة شخصية إسبانية بارزة.
حدث هذا عندما زارهما رئيس الحكومة خوسي لويس ثاباطيرو، ومعلوم أن سبتة ومليلية هما الحدان البريان الفاصلان لإفريقيا عن أوربا، إنهما ميناءان حران يطالب المغرب باسترجاعهما، إسبانيا تمارس سيادتها على سبتة منذ 1580 وعلى مليلية منذ 1496.م اتخذتا أصلا كمواقع متقدمة بعد استرداد التراب الإسباني على يد الملكين الكاثوليكيين، والمغرب يسمي هذه الثغرين بالقلعتين أو المعقلين Los Presidios ، وعادت abc.es صبيحة الجمعة لتخبرنا بأن المغرب يعتبر أن زيارة الملكين الرسمية لسبتة ومليلية ستعرض العلاقة بين البلدين للخطر، وتضيف بأن رد فعل الرباط قدم بنبرة أشد صلابة وأقوى لهجة من رده على الزيارة التي قام بها للمدينتين رئيس الحكومة ثاباطيرو في يناير 2006 ، وأن حكومة صاحب الجلالة الملك محمد السادس تعبر عن رفضها المطلق لهذه الزيارة .. وتلا خالد الناصري الناطق باسم الحكومة بلاغاً نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء عارض فيه الزيارة، كان هذا عقب اجتماع حكومي، ثم ساعات بعد ذلك عبر الوزير الأول عباس الفاسي عن ثقته في العدول عن هذه الزيارة لأنها -إن حدثت- ستضر بالعلاقات بين البلدين الصديقين.
+ مغربية سبتة ومليلية
وفي معرض إجابته للصحافة قال خالد الناصري :”لا يوجد مغربي واحد يشك في مغربية سبتة ومليلية ” ، ثم أضاف “ها نحن نمد يداً صديقة من الجانب المغربي، وننتظر استقبالها من الجانب الإسباني ” وأردف :”الصداقة بين الجانبين قوية، وازدادت قوة في السنوات الأخيرة ” ثم يستدرك :”ولكن لا يمكننا نسيان القضية الأساسية، المدينتين المحتلتين … المغرب ينتظر إيجاد حل معقول لهذا النزاع الترابي يرضي الطرفين ” ” نرفض بحزم كل التعاليق التي تصبها وسائل الإعلام الإسبانية حول الزيارة الملكية للمدينتين السليبتين “.
وحسب وكالة MAP فإن الطيب الفاسي الفهري وزير الخارجية نبه في الاجتماع الحكومي أمس الخميس إلى ما تنشره هذه الوسائل حول الزيارة، كما وضح خالد الناصري بأن “الحس الوطني لدى المغاربة متيقظ ولا يحتاج إلى هذه الزيارة كي توقظه …” كما أن الوزير الأول عباس الفاسي أكد بأن “الرجوع إلى الوطن الأم” للمدينتين” سيتم عن طريق التفاوض المباشر مع الجارة إسبانيا كما تم سابقا في حالة طرفايةوسيدي إفني والصحراء المغربية”.
لقد ثم الإعلان عن الزيارة ساعات فقط بعد سفر أميري أستورياس إلى مراكش لتدشين معهد سر?انتس يوم الثلاثاء الفائت، وفي تلك الليلة أقام الأميران مولاي رشيد وأخته لالة مريم حفل عشاء على شرف الضيفين، ولم يلاحظ مامن شأنه أن يباعد بين الأسرتين، كما قد يترتب عن سفرية سبتة ومليلية.
+ تبليغ
مكث وزير الشؤون الخارجية موراتينوس الذي رافق الأمير فيليپي والأميرة ليتيسيا مكث في المغرب إلى يوم الأربعاء حتى يجتمع ينظيره الطيب الفاسي الفهري، قال ناطق من وزارة الخارجية لـ ABC.ES أنه في هذا اللقاء أخبر موراتينوس زميله المغربي بشأن الزيارة الملكية، لكن الوزبر الأول المغربي أكد أنه علم بالخبر من الصحافة الإسبانية.
يصعب الاعتقاد، في كل الأحوال، وبرغم أن السفرية – قطعا- شأن “وطني، ألا تكون الحكومة الاشتراكية قد أطلعت محمد السادس وحاشيته على مخطط الزيارة. حدث الشيء نفسه مع ثاباطيرو يوم 21 يناير و 1 فبراير 2006 ، برغم أن الرباط لم يذع بلاغا كالذي أذاعه بالأمس، لقد مرت أزيد من 24 ساعة، على إعلان مونكلوا Moncloa (مقر الحكومة الإسبانية) عن الزيارة ولم يصدر لا عن الحكومة ولا الصحافة المغربية أي تلميح.
+ العلاقات الاستراتيجية
اكتفى الناطق باسم الخارجية الإسبانية بالتصريح لهذه الصحيفة في شأن البلاغ المغربي بقوله :”إن العلاقات بين إسبانيا والمغرب “ممتازة وسلسة في كل المجالات ” وحسب رأيه فالدليل هو الاجتماع بين موارتينوس والفاسي الفهري الذي استغرق ست ساعات، وأضاف “الأمر يتعلق بالعلاقة الاستراتيجية العميقة التي تحل ما يعتورها من إشكالات “وكيفما كان الحال، ودون تقويم كلمات الناطق الرسمي للحكومة المغربية، فإنه أشار إلى أن سفر الضون خوان كارلوس والضونيا صوفيا وفق القانون الدستوري إلى المدينتين الإسبانيتين تبقى مسألة “وطنية “.
+ استهلاك داخلي
إن الرد الفاتر للسلطات الإسبانية على احتجاجات الحكومة المغربية، تجعلنا نخمن، حسب مصادر عليمة بالعلاقات التي تربط مدريد بالرباط، ومنذ وصول خوسي لويس رودريكيت ثاباطيرو إلى قصر مونكلوا، أنه خلال اجتماع موراتينوس بالفاسي الفهري أخطره هذا الأخير بأنه سترتب ردود فعل بعد الإعلان عن هذه الزيارة.
وهكذا إذن، فالكل يلاحظ أن الحكومة الإسبانية، وحرصاً منها على استمرار العلاقات الجيدة مع الرباط، اقتنعت بأنه لابد أن تكون للسلطات المغربية ردود فعل بهذا الشكل من أجل الاستهلاك الداخلي ” ومن هنا لم تدخل الحكومة الإسبانية ” حرب بيانات ” وشيء آخر، وهو التفسير الذي سيعطيه المغرب لهذا الموقف الإسباني المتفهم، كما سيبدو من خلال تجلياته.
+ المغرب يستدعي سفيره
تطورت الأمور بسرعة أصبح معها في حكم المتعذر ملاحقة قصاصات الأخبار، وهاهو المغرب يستدعي سفيره يوم الجمعة 2007/11/02 ، وهذا ما كتبته Elmundo.es استدعى المغرب سفيره في إسبانيا عمر عزيمان للتشاور إلى أجل غير مسمى. حسب بلاغ لوزارة الشؤون الخارجية والتعاون، وذلك جراء “الزيارة المؤسفة لصاحب الجلالة الملك خوان كارلوس الأول يومي 5و 6 من نوفمبر للمدينتين المحتلتين سبتة ومليلية ” ، وفي الوثيقة التي وزعتها وكالة المغرب العربي للأنباء يذكر أن “الحكومة عبرت يوم الخميس عن أسفها ورفضها لهذه المبادرة التي تستوجب اللوم مهما كانت الدوافع والأهداف ” من هذا السفر، وتضيف الوكالة أن القرار اتخذ ” بتعليمات سامية من جلالة الملك محمد السادس وبعد الإعلان عن استدعاء السفير من مدريد للتشاور، أعلن الناطق الرسمي للحكومة المغربية خالد الناصري أن :”الكرة الآن في الملعب الإسباني، و نحن نتمنى أن يأخذ هذا البلد بعين الاعتبار مشاعر الشعب المغربي، وفوائد العلاقات بين الطرفين والتعاون”.
أما وزير خارجية إسبانيا فرفض التعليق على هذا، وقال إن الأمر يتعلق “بقرار سيادي ” للحكومة المغربية، واستبعد أن تقوم الحكومة الإسبانية “بإجراء مماثل ” هذه أول زيارة للملكين إلى سبتة ومليلية موضوع الاحتكاك مع المغرب، والذي يعتبرهما جزء من أرضه، وقد سبق للملكين أن زارا المدينتين كأميرين لإسبانيا عند بداية السبعينات.
وبالرغم من التذمر المعبر عن هذا الخميس من طرف الحكومة المغربية قبل السفرية، فإن مصادر من وزارة الشؤون الخارجية الإسبانية تصر على استمرار العلاقات “الممتازة” و”السلسة” بين المغرب وإسبانيا.
وفي الخط نفسه أكدت يوم الجمعة في مجلس وزاري النائبة الأولى لرئيس الحكومة ماريا تيريسادي لا?يگا Delavega أن سفرية الملكين تدخل في إطار القانون الدستوري وفي إطار العلاقات “الممتازة (Extraordinarias) التي تربط بين المغرب وإسبانيا.
وحسب مصادر من الحزب الشعبي فإن رئيس الحكومة ثاباطيرو أخبر يوم الإثنين الماضي زعيم الحزب الشعبي ماريانو راخواي بأمر زيارة الملكين لسبتة ومليلية، وأكد له بأن المغرب “لن يتسبب في مشاكل”.
+ انزعاج في المغرب
قبل استدعاء السفير المغربي في إسبانيا للتشاور، كان الناطق الرسمي خالد الناصري قد أكد على وجود “خطوط حمراء متعلقة بوحدة المغرب الترابية والتي لا يمكن تجاوزها ” وأنه “على أصدقائنا الإسبان أن يفهموها “.
وقبل هذا بيوم واحد كان الوزير الأول عباس الفاسي، عبر بواسطة بلاغ عن “استغرابه ” للزيارة، وأبدى “عميق أسفه ورفضه ” لهذه المبادرة، والتي من شأنها “أن تؤثر على العلاقات الممتازة القائمة بين البلدين الصديقين “.