التفقير والتمييز (العدد 102 )

نشرت Colpesa.com وهي وكالة أنباء إسبانية مستقلة، موضوعاً حول حي البرينسييي في سبتة المحتلة، وكان هذا الحي قد شهد في الآونة الأخيرة اعتقال مجموعة من الشباب المسلم بتهمة الإنتماء إلى “السلفية الجهادية ” حاول مراسل الوكالة خوصي كارلوس غارسيا، من سبتة أن يشخص الأسباب الحقيقية التي تدفع بالشباب إلى التطرف وممارسة الإرهاب، نشر الموضوع يوم 2007/01/14 تحت عنوان:

البرينسييي حي المحرومين

يخترق عبد السلام كعادتة كل صباح الزقاق الضيق الذي يقطن فيه، يشعل سيجارة ويحيي جيرانه الذين يصادفهم بلغته الأم، الدارجة وهي لهجة من اللغة العربية التي يتكلمها سكان منطقة الشمال، والتي كانت في يوم من الأيام إسبانية، وأحمد رب عائلة وأب لخمسة أبناء يتولى نفقتهم، يرد على أخيه عبد السلام بنفس الرطانة الدارجة.

خرج عبد السلام اليوم متأخرا شيئا ما من البيت، ولكن لا داعي للسرعة، فعندما يصل إلى الحانة التي تعوَّد أن يبدأ فيها نهاره، يحضّر له النادل كأسا من الشاي بالنعناع مطبوخ على نار من فحم خشبي، يخرج عبد السلام من جيبه قطعة صغيرة من “الحشيش ” ويعالجها بيديه .

إنه يوم الإثنين لا عمل، وحتى الثلاثاء، وكذا الأربعاء، هذا هو المعهود في حي البرينسييي ألفونسو، حي يتموقع على بعد عشرات الأمتار من الحدود الفاصلة بين سبتة والمغرب حيث يعيش حسب الإحصاء الرسمي 8.000 نسمة وعلى الحقيقة يقدرون بأزيد من 12.000.

المنظر الذي يريده عبد السلام مخالف تماما لواقع هذا الحي، فبرينسييي حي لا يتواجد فيه رجال الأمن، ولا تصله الصحافة، والصيدلية الوحيدة في الحي لا تطبق المداومة الليلية، وبينما يتصاعد الدخان من لفافة عبد السلام ويمتزج بما ينفثه رجلان في الستين من العمر يتجرعان “الكيف” من غليونيهما ويتجاذبان أطراف الحديث ويرتشفان شايا ساخنا، يعلل عبد السلام الظاهرة بقوله :”لا يحدث شيء، كل شيء طبيعي هنا”.

يتكون حي البرينسيي من 3.00 منزل وكوخ، خطت بغير سند قانوني، وبأيدي السكان أنفسهم، والمثير للإنتباه في هذه الد ّور أن بعضها وطيء منخفض، وبعضها يبدو للعيان فخما لا يتناسب مع دخل أي عامل من العمال، والتفسير، أنه في السنوات الذهبية للحي خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي، كان الحي يعيش على التهريب، وبالخصوص الاتجار في “الحشيش”.

بدون منفذ:

يحكي مصطفى صديق عبد السلام الذي يشاطره أوقاته الحرة : “كان هذا مما تسمح به السلطات، شحن المراكب الكبيرة، وخروجها بإطمئنان من الميناء الرياضي، والكل على علم بما يجرى، تعمدت السلطات غض الطرف حتى يتوفر للجيران مصدر عيش، وكذا لفئة كبيرة من الناس في سبتة، لأن الأموال المستخلصة تصرف في شراء السيارات والدراجات النارية والمجوهرات وكثير من الألبسة المصنفة، وفي النهاية وبطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كثير من الناس كانوا يعيشون من ريع “الحشيش”.

تغير كل شيء ما بين أواخر التسعينات وبداية القرن الجديد، أحكمت السلطة ووزارة المالية والشرطة قبضتها، وحاصرت الاتجار في المخدرات، فتعرض شباب الحي للبطالة، التمس العشرات منهم منفذاً عبر الانخراط في الجيش . يقدر كريم محمود رئىس جمعية الشباب النشيط عدد الذين تجندوا بخمسين في المائة على الأقل من ذكور الحي الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 و 30 سنة.
إنها السبيل إلى تكوين أسرة والاستقلال عن بيت الوالدين (بعض شباب الحي- برغم زواجهم- يعيشون في المنزل مع آبائهم).

ما يحدث لعبد السلام، أنه بعد ساعتين يغادر المقهى ويعود إلى والديه في بيتهم حتى يتناول طعام الغذاء إلى جانبهم وبرفقة أخوين من إخوته الأربعة ويقول شاكيا :” المشكل أنه لا يوجد عمل ولا تكوين ” قبل ثلاث سنوات فقط كان الفشل الدراسي يناهز الـ 50 في المائة في مؤسستي الحي الابتدائية والثانوية، وذلك حسب أرقام الإدارة الإقليمية لوزارة التربية والعلوم، يقول مندوب وزارة التربية في سبتة ….. “إن النسبة المئوية قد انخفضت إلى النصف بعد برامج الدعم التي أعدتها الوزارة، وكذا عقلية المجتمع التي أصبحت تقتنع كل يوم أكثر بجدوى التربية.

النسيان المؤسساتي

يقول رئيس جمعية الشباب النشيط :”بيد أن البرينسيي نفاية أوربا ” صحيح أن حكومة سبتة الحالية من الحزب الشعبي قد خصصت في سنة 2001 للبنى التحتية للحي مبلغ 2.3 مليون أورو، الشطر الرابع مثلا والذي يعرف من الميزانية البلدية سيخصص لتهيئة ساحة في مركز الحي وبناء موقف للسيارات تحتها، وسيرتفع المبلغ إلى 5.1 مليون أورو في حالة إضافة برامح تكوين وإدماج في العمل، الممول بمساهمة من الاتحاد الأوربي وقد يصل إلى 15.6 إن وضعنا في عين الاعتبار دفعة المساكن المبرمجة للتقليص من ظاهرة الأكواخ في الحي، وفي منطقة أخرى من سبتة، ولكن شبكة التجهيز متبقية من الستينيات، والأسلاك الكهربائية تحلق فوق الأزقة والإنارة العمومية لا تتوفر في كثير من المناطق، والانقطاعات الكهربائية تحدث باستمرار.

ويشرح العربي محمد رئىس جمعية، جيران حي البرينسييي :”في الفترة الممتدة ما بين 1987 و 1996 كان في الحي كله 36 عمود إنارة، وبعضها لا يعمل ومازالت مناطق كاملة بدون ماء ولا كهرباء، وهناك من يلقي بذات بطنه فتخرج العذرة على بعد ثلاثة أمتار من بيته، يعتبر سكان الحي أنفسهم متخلى عنهم، ويعانون من الميز العنصري برغم حصولهم على الجنسية الإسبانية”.

ويعضد المسؤول عن الشباب النشيط هذا الرأي في ضيق :”آخر مرة عرف الحي فيها ترصيفا كانت سنة 1998 عندما زاره … كاسكو ” الذي كان أيامها وزيرا للتجهيز والذي تعهد بتمويل يقدر بـ 5.000 مليون من البسيطات PESETAS ، لكن المبلغ لم يصل البتة .

مشتل الإرهابيين

سبق أستاذان من شعبة العلوم السياسية وعلم النفس الاجتماعي بجامعة غرناطة أن أشارا في دراستهما “التجمعات القابلة للتجنيد “الجهادي ” حي البرينسييي الفونسو في سبتة ) والصادرة بتاريخ 22 نو?مبر 2006 ، بعشرين يوما قبل توصل الشرطة في هذا الحي إلى توجيه ثاني أكبر ضربة للإرهاب “الإسلامي” في إسبانيا والأهم في تاريخ سبتة، لقد اعتقل أحد عشر عضواً من خلية السلفية الجهادية، سبعة منهم مازالوا رهن الاعتقال.

يجتمع عبد السلام ومصطفى وفيصل في المقهى ويتبادلون الأحاديث وأشواطاً من لعبة “الپارشي ” و “الدومينو ” ويخلطون بين الشاي والقهوة والمعصورات والمبردات والحلويات و “الحشيش ” ويدردشون :”يقال هذا أو ذاك متدين جدا، فأين المشكل؟ ما معنى أن تكون متديناجدًا؟ أهذا قبيح؟ “.
هذا الثلاثاء سيعود إلى الشارع مع منتصف النهار، في انتظار غدٍ لا شيء يوحي بأنه سيكون مختلفا عن الأيام الأخرى.

تهميش وإرهاب

يحتج رئيس مجلس سبتة من الحزب الشعبي :” لا حاجة للتشخيص، الجو الذي يعيش فيه سكان البرينسييي لا يختلف عن أجواء الأحياء الهامشية في إسبانيا، ولكن هناك لا يوجد إسلام، أما في البرينسييي فكل القرائن تدل على انتشار الراديكالية “السلفية ” وأيضا “الجهادية ” وقد استنتج أستاذ جامعة غرناطة أن هذا الحي يسير في طريق أن يتحول إلى قاعدة، كلية أوجزئية مراقبة من طرف الراديكاليين”.

يقول الأستاذان :” لكل شيء تفسير في هذا الحي لا يبدو صعبا أن يسقط الشخص في التهميش . إما لأنه لا يتوفر على حاجته الأساسية، أو لأنه متابع بجريرة، أو أنه يحس بأنه مواطن من الدرجة الثانية لأنه لم يرق إلى مصاف الطبقة الاجتماعية المأمولة، أو لإحساسه بالتمييز ضده لأسباب سياسية أو ثقافية أو دينية أوإثنية.

بهذه الشروط يسهل على هؤلاء أن يفقدوا هويتهم الشخصية، ويفقدون الثقة في أنفسهم، والقدرة على التحكم في تصرفاتهم، إنهم أفراد بدون حافز، وعلى العموم يسهل إقناعهم، والخطر يكمن في قدرتهم على التكاثر في ظل هذه الـظروف، دور الشبكات الاجتماعية لا ينكر، لكن المصيبة أن يستطيع “الجهاديون” إقناع بعض أعضاء هذه الشبكات بعدالة قضيتهم”.

صدقت نظرية أستاذ جامعة غرناطة يوم 12 دجنبر الماضي بتفكيك خلية “السلفيين” ومنذ ذلك الحين، لم يتغير شيء في البرينسييي، التهميش باق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top