الحق ما شهد به العقلاء (العدد 117 )

كل كتابات الصحافة الإسبانية حول موضوع الصحراء خلال الأسبوع الماضي تعترف بأن المغرب قد خرج منتصرا من أروقة المنتظم الدولي . لكن الانتصار قد يكون بمنطق القوة، كما يكون بقوة المنطق، وها هو الكاتب DAVID VALCARCEL يستخدم المنطق في مقالة نشرها بجريدة ABC.es يوم 2007/5/03 تحت عنوان:
وأخيرا تحركت الصحراء

أصدر مجلس الأمن يوم الإثنين الماضي قراره الـ 754.1 الداعي لكل من المغرب وجبهة البوليساريو إلى البدار بالتحاور دون شروط مسبقة من أجل الوصول إلى حل نهائي لقضية الصحراء الغربية، هذا النزاع الذي عمر أزيد من ثلاثين سنة .

ويُعوّل مجلس الأمن في تحقيق هذا القرار على استشعاره بأن هناك ثلاثة متغيرات، ليس في الدرجة وإنما في طبيعتها، وهي:

-1 قلق الولايات المتحدة من تزايد نفوذ القاعدة في الصحراء جعلها تقرر سنة 2006 الإشراف الاستراتيجي من وسط إفريقيا.

-2 عرض الدبلوماسية المغربية لمبادرة الحكم الذاتي للصحراء في ظل السيادة المغربية.
-3 وجود تحركات غير محددة وسط البوليساريو تدعو إلى تغيير الاتجاه، بيد أن الصحراويين والمغاربة منهكون جميعا دون أن تلوح في الأفق حلول، بلغ بهم الأمر مبلغ “العياء السياسي ” كما سماه مانويل مارين في مجلة أفكار AFKAR في عددها شتاء 2004.

دخل المغرب الصحراء سنة 1975 أتذكرون؟ على إثر المسيرة الخضراء، وتولى المغاربة المراقبة (الجزئية ) للمستعمرة الإسبانية السابقة، إنها أزيد من ثلاثمائة ألف كيلو متر مربع، تصرفوا في كل المجالات منذ ما يقبر من 32 سنة . إسبانيا كذلك تصرفت، يسَّرت العملية . والأمم المتحدة لم تنكر أصل هذا القطاع شبه المقفر والمواجه للمحيط الأطلسي . كل الحجج والبراهين قابلة للمناقشة، ولكن الروابط التاريخية والقانونية التي قدمها المغرب، والتي تدل على سيادته السابقة في القرن التاسع عشر، يمكن مناقشتها إلا أنها قائمة على أسس .

احتلت إسبانيا هذه الأرض أزيد من مائة سنة، من أجل تغطية الفضاء الاستراتيجي قبالة جزر الكناري، وحالة التخلي عنها قابلة للإثبات منذ قرن.

خرجت إسبانيا من الصحراء سنة 1975 بعد إنشائها لتجهيزات معدنية (فوسفاط وغيره).

هرب قسم من سكان هذا القطاع القاحل من المغاربة، وأعيد إسكانهم في تندوف قرب أرضهم مُرحَّب بهم من طرف حسن الضيافة الجزائري.
في تندوف أقل من مائة ألف صحراوي، كلهم تقريبا مؤطرون من طرف البوليساريو، سكان الصحراء كلهم يتجاوز ضعف هذا العدد، إنهم أزيد من 200 ألف نسمة منذ 1970.

البوليساريو تقترح خلق دولة ذات سيادة مدعمة من جهة بغُلاة اليساريين الإسبان الذين انفرط حديثا عقد شيوعيتهم، وهم بصدد البحث سبب للعراك.

المغرب أدلى بحججه وبادر بالمراقبة.

طالبت الأمم المتحدة بإجراء استفتاء لا يصل إلى مستوى الدفاع عن استقلال الصحراء، وألح المغرب على وجوب إجراء إحصاء جديد للسكان، وجاء بحجج معقولة (عند البعض) وذرائع (عند آخرين).
الأكيد هو ما تولَّد عن هذا من تعبئة دبلوماسية متماسكة، أعقبها مخططا بيكر الأول والثاني تحت وصاية الأمم المتحدة.

وهكذا ضاعت ثلاثة عقود في مناقشة مقترحات متلاحقة . أما الذين يسمون بأصدقاء الصحراء (إسبانيا، فرنسا، الولايات المتحدة، روسيا، المملكة المتحدة ) فقد شرعوا في تأييد مبادرة المغرب، دون أن يعني هذا التخلي عن لاجئي تندوف (والذين يحظون بدعم مادي من حكومات أخرى شمالية على الخصوص، ومساندة جزائرية).

تُستنبت اليوم في الصحراء الغربية مشاكل عويصة، المغرب يراقب نصف التراب الصحراوي تقريبا . وعدم خضوع أزيد من 100.000 كلم 2 للمراقبة سيسمح بتسلل تنظيم القاعدة الذي يتوق إلى جعلها أرضية صالحة – هو وغيره من التنظيمات لإقامة قواعد عملياتها .

لذا وجب الإسراع بإخراج النزاع من حالة الشلل.

دعَّم 169 نائب في الكونغريس الأمريكي المبادرة المغربية، بينما جنح 48 نحو أطروحات البوليساريو القديمة . الأرقام لا تحمل مدلولا مطلقا، بالرغم … أنه بالنسبة إلى المغرب فالصحراء الإسبانية سابقا هي جزء من سيادته .

بعد أحداث 11 شتنبر تنبه الاتحاد الأوروبي إلى وجوب القضاء نهائيا على هذا الخلاف.

الجزائر لزمت الصمت، لكن القرائن تدل على أن هناك تحركا رسميا يملك رغبة دبلوماسية.

وهناك معاناة المائة ألف رجل وامرأة، ينتظرون في المخيمات داخل بيوت وبرية منذ ثلاثين سنة.

وكذا هذا الفصيل من متشددي اليسار الإسباني المتمسك برؤيته الستالينية حول الدفاع المنغلق كليا لدى البوليساريو، هؤلاء الرجال المثبَّتون في مراكزهم، المجمَّدون، عبروا بطريقتهم طيلة هذه الـ 30 سنة، إن درجة البرود السياسي عندهم عالية، ويريدون نقل تجمدهم إلى من يدافعون عنهم.

وهاهم في آخر المطاف، وبعد حين، بدأ اللاجئون في تندوف يفهمون أنه لم يسبق لدولة صحراوية وجود أبدا، أو ليس فهمهم للاستقلال كان مجرد صيغة طرحت في إطار الحق السياسي؟ أو ليس ما يذكرونه هو الحكم الذاتي الواقع الموسع؟ وماذا لو أبدى المغرب استعدادا لتطبيقه؟ وماذا لو قَبِل الصحراويون بالرجوع إلى ديارهم مع إمكانية التعايش والتقدم كما هو الشأن في دول العالم، مقابل تخليهم -بعقد موثق- عن فكرة تتعلق بالنظرية السياسية؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top