نشر أبو العيال مقالا في صحيفة وطنية قبل اليوم بما يقارب العشرين سنة، وبالضبط في اليوم التاسع من شتنبر 1988 ، تحت عنوان الحملات وحالات الاستنفار، وهاهو يراجع أوراقه الصفراء، ويعقد مقارنة بين الأمس واليوم، فلنقارن معه.
*****
حديث الأمس
يستعمل لفظ الحملة في عاميتنا لتأدية معنى السيل العظيم المفاجئ الذي تضيق عنه الأنهار ، يجرف الزرع والضرع، ولا يخلف إلا الغثاء.
أذكر هذا كلما سمعت أو شاهدت حملة من الحملات ،كحملات تعقب الهاربين من العدالة، وحملات الوقاية من حوادث السير، وحملات مراقبة الأسعار، وأخيرا حملات التدشينات…
… أما حملات مراقبة الأسعار، فلا نراها إلا في شهر الاستغفار وكأن الناس لا يكتوون بنار الزيادة في الأسعار، وممارسة الاحتكار، إلا في شهر الاستغفار، فتعلن حالة الاستنفار، وينكل بالتجار الصغار ولا تطال اليد الكبار، وبعد الحملة الأليمة، تعود إلى عادتها حليمة، لم حملات الاستنفار، والحلال بيّن والحرام بيّن، لم الحملات على صغار القوم دون كبارهم؟
ولننتقل إلى حملات التدشينات، يبدأ الاستنفار بالطبقات الشعبية التي تستنفر إلى مكان، الحفل بالترغيب والترهيب، لتجد هناك أجواقاً تشنف الأسماع، ولافتات تشيد بالأوضاع، ويطول الانتظار، ثم يأتي المسؤول في زمرة القوم الكبار، ويضع الحجر، ولا شيء غير الحجر، ويبقى المشروع مجمداً في انتظار أن يدشن ثانية وثالثة، فلا يرى النور-إن رآه- إلا بعد سنين، لم كل هذا الاستنفار؟ لم التدشين أساساً؟ أليس بناء المرافق العامة من أوجب واجبات المدشنين؟ يمكن التدشين، ولكن بشرط وفي حالة واحدة، وهي أن يكون المشروع المزمع إنشاؤه سيقام فوق أراضي تبرعوا بها، أو تحملوا الغلاف المالي الذي يتطلبه الإنجاز، وقلما يحدث ذلك.
إننا في حالة إلى حملات محاربة الأمية، وحملات لمحاربة البطالة والأمراض والرشوة والمحسوبية والتزوير والتملص، بشرط أن تتوفر لها المصداقية…
… هذه حلول ممكنة وناجعة للقضاء على آفاتنا، وتتسم بالصدق البعيد عن التهويل، أما حملات الاستنفار من أجل القبض على مذنب أو مراقبة الاسعار، أو الوقاية من حوادث السير، أو التدشينات، فتبقى حملات استنفار ?ستين فارî الجنازة كبيرة والميت فار.
حديث اليوم
تمخض الجبل فولد فأرا، مازالت التدشينات تَتْرَى، وما حاربنا أمية ولا نمَّينا ثغرا، مواسم وحفلات وأسابيع لِلْكُثْرى، يحتفى فيها بالفروسية وتستضاف كوادالوبي ويسرا وعادل ونانسي هي الأخرى، هؤلاء بالملايين تُثرى، والمعطلون يلطمون باليمنى واليسرى، ويشبعون ركلاً وزجرا.
رمضان على الأبواب وهوس الحملات استشرى، حملات كبيضة ديك تستغرف من المسكين دهرا.
كنا نعيب على الحكومات الأخرى، وتعاقبت بعدها التقنوقراطية واليمينية مع اليسرى، انتـظرنا من السنين عشراً وعشراً، ودار لقمان على حالها ولا بشرى.
مثال حي هذه الأيام يُجْرَى، يخرج مسؤول المدينة الأول وحاشيته الكبرى، من أجل توزيع محافظ وكراريس على من يعانون فقرا، وقصدوا الدواوير البعيدة حيث أكملوا على الأقدام سيرا، فغبّرت أحذيتهم وصاروا كالمناضلين شعثا غبرا، ويزعمون أنهم لا يريدون جزاء ولا شكرا.
يكفيهم تعويضاً مصروف الجيب، واستبدال أحذيتهم الممرغة بالترب بأخرى أجود تباع بالقرب، في أرقى حي أو درب، لا في الحي الذي أسكنه أو دربي. هذه قسمة عادلة، مائة محفظة لفقراء الشعب، ولكل منهم ما يعادلها تسرية للقلب، محفطة وقلم وبعض الكتب، تكلف مائة درهم في السوق والدرب، مائة في مائة بلغة الحسب، عشرة آلاف قيمة هدية الركب، وعشرة مثلها لهذا وذاك ونعم الوكيل سبحانه فهو حسبي، ولم لا؟ سهرة تحييها شاكرا أو روبي، كل هذا يدخل في سياسة القرب.
والرباط نفسها لا تخلو من هذه الفقاعات، استدعي إليها كبار القوم والجماعات، من أجل تدارس المبادرة الوطنية في كل القطاعات، ونحن أيضا نشيد بالمبادرات، وما حسن من الاندفاعات، لكننا نستنكر هدر المالية العامة باقتطاعات، تنفق بغير وجه حق ولا مراعاة، مبيت فاخر، مأكل وللتداول قاعات، من أجل تحصيل حاصل دون إبداعات، وكان أولى الصرف للتخفيف من الفقر قبل أن يصير جماعات، ويرفع به ما يعانيه المعطلون من فظاعات.
الحكومات المتقدمة تعقد اجتماعات، وتفضها في ساعات، وتستهلك كأسا من مشروب وتخرج بقناعات، وتبدي لمواطنيها حِنَّاء يديها بالإبداعات.