أبو العيال-هذه المرة- أكل عليه الدهر وشرب، وهو أيضا أكل من الدهر وشرب، اجتمع برفيق له في مقهى الحي، وكلاهما ممن حرم من المغادرة الطوعية، فما أن يسكت الأول حتى ينفجر الثاني باللوم والعتاب كراغبتين في الطلاق أرجعتا إلى بيت الطاعة بمقتضى الشرع والكتاب، لاهما من قاصرات الطرف أتراب، ولا من ذوات الأحساب والأنساب.
*****
– الرفيق استفاد من لم يزاول التدريس منذ سنين، بعضهم لم يعرف في حياته القسم، كان معلما يساعد المدير، وحصل على شهادة من الشهادات، واختبأ في الإدارات.
– أبو العيال انتصر الفارون من القسم بالحق وبالباطل، انتسبوا إلى التعليم دون طائل، عوض أن يُردّوا إلى الفصل، أحيلوا على الفصل وأي فصل? لعل الله يثيبنا عن محنتنا يوم الفصل.
– الرفيق لم يكن عدلاً المبادرة بالموافقة لهؤلاء، قبل جمعهم بأصحاب القسم.
– أبو العيال فعلاً إنها مبادرة، لعل المسؤولين عن المغادرة، سمعوا بالعملية الوطنية للتنمية كمبادرة، فسرحوا هؤلاء ولم يقووا على أصحاب القسم بالمغامرة، الجزاء للهروبيين والمغادرة، ومزيد من العباد لذوي الكد والمثابرة.
– الرفيق الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.
– أبو العيال واستفحل دائي، وعز دوائي.
– الرفيق أمعجب أنت بكاظم الساهر؟
– أبو العيال لا، لا? بل أنا كاظم وساهر، كاظم لغيظي ولليلي ساهر، ازداد دائي، حين شاهدت بعض قرنائي، كان يكلف بالمهام الجسيمة، من إشراف معنوي على وليمة، أو تدشين مدرسة كانت فعلاً قديمة، وعند عودته إلى القسم لا تكون عواقب التلاميذ سليمة، والأكاديمية كلها بتقصيره عليمة، ويقولون مثل هذا أحسنوا تكريمه، الملايين قليلة في حقه، اشفعوها بـ لاريمة .
– الرفيق إنها نصيحة صندوق النقد، من أجل التخفيف من كتلة الأجور.
– أبو العيال إنه صندوق نقد، لا يقبل النقد، ولا يجلب للمستضعفين سوى النكد، كان أحرى توظيف المزيد من الأنفس، من أجل تعميم التمدرس، وليس المغادرة والتكدس، فقد يصاب الميثاق الوطني بالتيبُّس.
– الرفيق معدل التلاميذ في الباكالوريا إثنان وأربعون، وبعد التحاق المستعطفين قد يربو عن الخميس.
– أبو العيال ماذا يفيد خمسين تلميذاً شخوصي؟ وكيف أجرى اختباراتي لهم وفحوصي؟ المغادرون فروا إلى التعليم الخصوصي، والراحة سلبت مني بشكل لصوصي، أما الشباب العاطل، فلامن يُؤْثِر ولا يوصي
– الرفيق يزعمون أنك أبا العيال، مازلت قادرا على العطاء
– أبو العيال مثلي ومثلك، ماذا يعطي؟ حسبه أن ينظم السير كشرطي، مضى زمان كنا فيه كسيبويه وابن المعطي. الآن بح صوتي وقل ضبطي، وفقدت التواصل مع جيل حفيدي وسبطي، لا يقنعهم صوتي ولا يردعهم سوطي، انحسر البصر وبالكاد أستبين خطي، وما يثير حنقي وسخطي، زعمهم أني مازلت أعطي، بالله عليك مُعَمَّر مثلي ماذا يعطي؟
– الرفيق طالنا الغبن أبا العيال، واقتحمتنا العين، ولم يكن لحجتنا وزن .
– أبو العيال اجتمع علينا تشدد الفقيه المالكي، ونزاهة وعصمة الملائكي، وموضوعية وعلمانية اللائكي… وبعد آخذ ورد، بين أهل الحل والعقد، حول من يعفى من الجهد، التجأ أهل العقل والتحليل، إلى الاجتهاد والتـأويل، ومن سوء حظنا يا زميل، رفضوا طلبنا بالتأويل، وياويلي من التـأويل.
– الرفيق قد يكون التأويل توفيقياً، والمثل يقول كل توفيقي تلفيقي، وكان أولى….
– أبو العيال مقاطعا كان أولى بالمسؤولين قبل اتخاذ القرار، تطبيق مذكرة إعادة الانتشار، وإلحاق المتقاعسين بدارس المدينة والمدار، ثم إجراء الاختيار، وفق مقياس عادل أو معيار، يراعي الظروف الصحية والأعمال، وهكذا يعود للشفافية الاعتبار. أما وقد سبق السيف البتار، فقد حرم المريض المنهار، ومن بلغ عتي الأعمار. الطبيب يقول باختصار هذا الأستاذ لم يبق منه سوى الإطار، وهذه لا تقوى على الوقوف وجرحها غار، لم تؤخذ وضعيتهما في الاعتبار، وأسند إليهما القسم بالإجبار، وذلك سليم البنية كالمسمار وتلك في فتاء وازدهار، يغادران وسبحان الواحد القهار.
ها أنا أعود إلى القسم منهارا، بعد خمسة وثلاثين حولا ولست مختاراً، فر الآخرون بالغنيمة فراراً، أخذوها عنوة واقتداراً، وكفى بالمرء استهتاراً، أن يعمل وهو شيخ ليلاً ونهاراً. ولكن ما يخفف عن أبي العيال أوزاراً، تكوين تلاميذ مازالوا أغراساً وأزهاراً، فقد تثمر في المستقبل ثمارا، ولا تبقى من المتلاعبين ديّاراً.