خير وسلام! (العدد 146 )

هذا تعريب مقال نشرته Elpais.com في عددها يوم 08/6/05 للكاتب Francis Guiles في زاوية الرأي، وجاء متزامنا مع المؤتمرات والاجتماعات التي عقدت مؤخرا في كل من طنجة وطرابلس وغيرها، وتناولت كلها من قريب أو بعيد قضية الوحدة المغاربية وما اعتراها من انتكاسات، وأوربا بسعيها الحثيث تريد أن تستفيد من هذه الوحدة إن تحققت، أو على الأقل، تحصين نفسها من مخاطر التشرذم المغاربي، الذي يؤدي إلى تفاقم ظواهر مرضية كالهجرة السرية والإرهاب، نشر المقال تحت عنوان:

المغاربيون يؤدون ثمن تشرذمهم

إن إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر حماقة، لا خيار للمغاربيين غير فتح الحدود التي تفصلهم عن بعضهم وتحرير تنقل الأشخاص والبضائع والطاقة.

بعد أحداث 11 شتنبر ارتفعت بعض الأصوات الوازنة في الغرب تحاول إقناعنا بأن الإسلام قد تسبب في لعنة اقتصادية، لكن النجاحات التي حققتها تركيا وماليزيا، والمشاريع الطموحة لبعض دول الخليج . تثبت بالملموس أن العصرنة والنمو والإبداع والتوزيع العادل للثروة يمكن أن تجد لها موقعاً في أرض الإسلام، لسنا إذن أمام قضية تعاليم عقدية، ولكنها قضية جيوسياسية.

نقول هذا مع العلم أن الكثير من الدول الإسلامية تتخبط في مشاكل اقتصادية خانقة، وهذا منذ سنوات، عقود، بل وقرون أيضا.

إذا كانت النهضة الأوربية أول ثورة ثقافية وسياسية في العالم الحديث فإننا ننسى باستمرار أنه في طليطلة (الأندلس ) تمت ترجمة النصوص العربية الزاخرة بالمعرفة اليونانية والآسيوية إلى اللغة اللاتينية، أما الثورة الثانية فكانت صناعية تجارية وغيرت تمركز قطبية العالم، وأبقت دول جنوب المتوسط والإمبراطورية العثمانية على الهامش.
حرّم جل القادة المسلمين -إن لم نقل كلهم – الطباعة والنشر، ولم يعلّموا شعوبهم، وفرضوا الرقابة، ومازال المستوى التربوي إلى اليوم ضعيفا، وهذا ما يفسر ضعف نسبة التقدم البشري والذي لا يبعث على الإرتياح، ويمثل آفة للدولة المغاربية .

بينما نجد الصين والهند وجنوب شرق آسيا يسترجعون المكانة التي ظلوا يحتظون بها حتى أواسط القرن 19 صناعياً وتجاريا وثقافيا، وبهذا جعلونا في مواجهة ثورة جديدة، إنها العولمة . أيقوى المغرب العربي على ركوب التحدي الذي يفرضه إعادة ترتيب الأوراق على كوكبنا؟

إن دول شمال افريقيا أكثر تشابها فيما بينها مما نتصور، فنظامها البنكي يخضع للحسابات السياسية، ولا يستفيد المستثمرون الشباب منه إلا نادراً، وتُهرّب الرساميل، إن قليلا أو كثيرا، إلى كل الجهات خارج الحدود .

لماذا تتهرب النخبة السياسية من تحمل مسؤوليتها أمام هذه الوقائع وغيرها؟ هذا أمر مؤكد، فغياب قادة بنظرة استراتيجية من شأنه أن يؤدي إلى مستقبل غامض، بل مجهول لهذه المنطقة.

إن النخبة السياسية في دول المغرب العربي جعلت من المكر الزائد والافتقار إلى الخيال قاعدة لها كوسيط  في تحويل الأموال وهروب الرساميل.

قبل نصف قرن، يوم 28 من أبريل 1958 ، وفي نداء صدر من طنجة عبّر قادة سياسيون من شمال افريقيا، من بينهم المهدي بن بركة من المغرب، وعمر بوصوف من الجزائر والطيب مهدي من تونس، عبروا عن “رغبة شعوب المغرب العربي العظيمة في توحيد مصائرهم ” وأعلنوا حق الشعب الجزائري في الاستقلال.

في المقابل، خلف اليوم خلف جديد، نسخ باهتة لا تضاهي في قامتها أولئك العمالقة الذين اجتمعوا في طنجة، لدرجة أصبحت معها هذه الاحزاب التي كانت في 1958 تمثل القوات الحية في المنطقة، صارت معطوبة . وقلما نجد من بينها من يرفع صوته مطالباً بمغرب عربي موحد .

أصيب الشباب المغاربي اليوم بالقلق وخيبة الأمل والهشاشة وحالة مزمنة من البطالة، وشعور مفرط بالإقصاء من العولمة التي تنسج خيوطها دون مشاركتهم، الشيء الذي يقوي استعدادهم للاستجابة إلى ما يشنف أسماعهم من مواويل حوريات بحر المتطرفين فيرتمون في ظلماته .

ألم يحن الوقت للجيل الجديد من الشباب المغاربي الذي حظيَ بامتياز تلقي التعليم العالي والاطلاع على ما يجري في العالم أن يدلي بدلوه في هذه المنطقة من العالم؟ لو بقيت الحدود مفتوحة لكان من الممكن للشعوب أن تتحمل مسؤوليتها في رسم مستقبلها، لكن عبثاً، الحدود موصدة من زمان، وكثير من المغاربيين يهربون إلى بلد ثالث (أو بعض الذين يكملون تعليمهم في الخارج لا يعودون )…و، من بين أشياء أخرى يتم تصدير الرساميل بعشرات الآلاف من ملايين الدولارات، البرجوازيون والشباب الطموح يبنون مستقبلهم في بلد آخر .

إن من شأن فتح الحدود التي تعزل دول شمال افريقيا عن بعضها أن ييسر تنقل الأشخاص، والأفكار والاستثمارات والمحروقات، ويحمس الرجال والنساء في المغرب العربي، وبخاصة المستثمرين منهم على مواجهة تحدي العولمة في عقر دارهم .

إذا نحن درسنا اقتصاديات الدول المغاربية، وحللنا بالتدقيق قطاعات الطاقة والنقل الجوي والجهاز البنكي وصناعة الفلاحة الغذائية سنستنتج فوراً أن مصالحها متكاملة، أهم بكثير مما يتبادر إلى   الذهن أول وهلة .

إن الضريبة الاقتصادية التي تؤديها المنطقة جراء التشرذم الحالي أو ما يمكن تسميته بـ “اللامغاربية” EL NO MAGREB” ضخمة اجتماعيا وسياسياً.

من أكبر التحديات التي تواجه المنطقة مشكل توفير الماء، وتطوير تقنية استغلال الطاقات المتجددة، هذه من بين شؤون آخرى.

إن التحديات التي تواجه شمال افريقيا تجعل أقطارها أمام فرصة ذهبية من أجل تحديث أنظمة الإنتاج وأنظمة الحكم التي تعتبر في غالبيتها متقادمة ومتجاوزة، وبناء عالم جديد، بمعنى : إنتاج وطريقة عمل تلائم القرن الواحد والعشرين، أن تعطى للنساء والرجال العاطلين أو بطالة مقنعة فرصة اكتشاف أفكار وعوالم يجهلونها.

الخوصصة والتعليم والعدالة المنصفة يمكنها أن تكون القلب النابض لهذه الثورة، بيد أنه لا شيء من هذا دون طموح واقتدار سياسيين.

يقال إن طرح فكرة الاتحاد المتوسطي يمكن أن تساعد في تنشيط اتفاقية برشلونة،  تدفع بالمنطقة قُدما نحو سياسة التقارب للاتحاد الأوروبي التي يسهر على انتهاجها والحفاظ عليها.

ياليت! ولكن لا يفوتنا أن نطرح سؤالين، ألا يمكن لأوربا أن تتجرأ على انتهاج سياسة مشتركة قريبة من طموحات المغرب العربي في قضيتين هامتين أو ثلاث، ولتكن المحروقات واحدة منها؟

أيعتبر كثيرا أن تطلب أوربا من النخبة السياسية المغاربية الاعتراف بأن سياساتها الوطنية تدمر السلسلة الاقتصادية في كل مراحلها وتفتقر إلى المرودودية؟

يمكن اعتبار اتفاقية برشلونة أداة صالحة، ولكنها غير كافية، ولعل نقاشاً في السياسة الخارجية بين فرنسا وإيطاليا وإسبانيا (وكذا ألمانيا والمملكة المتحدة ) حول المنطقة المغربية آخذين دروساً إيجابية من التجربة المشتركة في الجنوب اللبناني يمكن أن تعطي دفعة، وتشجع دول شمال افريقيا التي يبدو أنه ليس في مقدورها أن تصبح شريكاً يُعول الاتحاد الأوربي عليه ما لم تحث الخُطى.

هذا التشخيص قاسٍ لكنه ضروري، ويهدف إلى خدمة طموح تشييد مغرب عربي كبير من أعلى إلى أسفل، وإعطاء الشركات الكبيرة والصغيرة، خصوصية كانت أو عمومية الدور الذي يليق بها.
ما لم يصبح في إمكان المغرب الأقصى أن يشتري الغاز والأومونياك الجزائري فكيف تُنافس شركاته الكبرى في أسواق التصدير وتحقق نجاحات؟

ومادامت الجزائر تستورد السلع والخدمات من الصين قبل المغرب، كيف توفر مناصب شغل؟ وإذا لم تتقلص نفقات الإنتاج هنا وهناك، فكيف يُطمح إلى تدفق الاستثمارات؟

أيمكن أن نتخيل اليوم الذي تستثمر فيه الجزائر احتياطيها من العملة الصعبة في دول المغرب العربي، والي تقدر اليوم برقم 160 مليار دولار عوض مراكمتها كثروات تتآكل بالتضخم في الأبناك الغربية؟

أيمكن أن نحلم يوما بأن يتخلى المغرب الأقصى عن مخاوفه من أن تقطع عنه الجزائر غازها الذي لم يشتره بعد؟

للمغرب العربي راية لم يتسن لها أن ترفرف في أي مكان منه، إنه الجيل الجديد من الشباب الذي يجب عليه أن يركب التحدي ويواجه ما يبدو أن الكبار قد نبذوه ظهريا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top