تزعم النكتة أن مدينة هيروشيما اليابانية لم يكن هذا إسمها، بل أطلق عليها بعد إحراقها بالقنبلة النووية، ومعناه الحسيمة، أي أنه جرى في اليابان شيء شبيه بما جرى في الريف هيروشيما أمطرت نوويا والحسيمة كيماويا
أنجز خا يير راد وطارق الإدريسي تقريرا من أجدير ونشراه في جريدة Publico.es يوم 2007/12/9 حول استعمال إسبانيا للأسلحة الكيماوية وغاز الخردل في قمع ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي سنة 1926 وهذا تعريبه
جرائم حرب باسم إسبانيا
?مازلت أذكر رائحته، إنها كتلك التي تنبعث من بعض الأدوية î هكذا يفسر محمد فراجي ما عاشه من قَنْبلة إسبانية في حرب المغرب الرهاج السم في كل مكان، ماذا سيحدث؟ وماذا لن يحدث؟ أعزائي تلاميذ الريف، لقد كان الإسبان من الأوائل الذين لقنوا دروساً سيئة في الاستعمال المتوحش للكيمياء، إنه غاز الخردل بكل مركباته التي لا يعرف هولها الريفيون الأميون الحالمون، والذين نقشوا بطلقات بنادق موزر MAUSER أحلام التحرر القبلي للرقعة المعروفة حاليا بشمال المغرب
بيد أنه في 1923 ، في حرب الريف 1927/1921 تولت مقنبلات ذات الإسم الأسطوري جالوت Goliath القصف بالسم، فحصل الاختناق والعمى، حروق تتقيح ماء، إنه أخنزير السرطان
بعد ثمانين حولاً مازال يُبلَّغ في المنطقة عن نسبة عالية من حالات الإصابة بالسرطان، وقد يكون مرد ذلك إلى استعمال هذه الغازات من طرف إسبانيا، الشيء الذي يستوجب فتح تحقيق في الموضوع
تساوى الطفل مع الفأر، والرجل مع بنت وردان سراق الزيت والإنسانية مع الجائحة لقد عايش محمد فراجي هذه الجريمة التي لم تسقط بالتقادم، وهو في يومنا هذا عجوز مئوي مازال يتساءل عن الباعث الذي دفع بإسبانيا إلى القتل بالغاز، ?مات كثير من الأطفال الصغار، كانت الطائرات تحلق فوقنا ونحن نجري لنختبئ، ولكنهم يقذفوننا بالسم، وجسمك يتقيح، دع ذا، لقد أمضيناه في أسوأ حالî
بعد نكبة أنوال صار لزاما أن تنتهي ثورة الزعيم الريفي عبد الكريم بأي ثمن، وبحفنة من الماركات عملة ألمانيا حصلت إسبانيا على الأسلحة الكيماوية، وزاد روح الانتقام من حلوكة الحرب، فكانت تراجيدية وحشية
أنوال جرح صخري قريب من مليلية، يحكون أن البساتين القليلة التي تنمو اليوم في هذه المنطقة تم سقيها وتخصيبها بدماء إسبانية وبغطاء الجثث والأشلاء التي انتثرت فوقها ما بين 8000و 10,000قتيل سقط هؤلاء ذات 22 من يوليوز الحارق صرعى تحت حنق الرصاص الريفي، أجساد معطوبة، وأخرى قطعت إرباً فوق أرض لاعهد لهم بها
هذه المذبحة، وإجلاء الحضور الإسباني من فوق الأرض، كل هذا أوغر الصدور فانفجرت قذائف كيف بجيش قوة أوروبية يستسلم أمام عصابة من محاربي ما قبل التاريخ؟ الثأر ستخرق إسبانيا معاهدة رساي 1919 التي تحظر استعمال الأسلحة الكيماوية بعد الحرب العالمية الأولى، بأطروحة العنصريين فالأمر لا يعدو القضاء على متوحشين، أما بالنسبة للتقدميين، فإن الفتك يجنبهم المزيد من القتلى، وهكذا شرعوا الاستعمال الوخيم لما درسوه من علم
تدمير الجبهة الخلفية في 1923/22 اشترت إسبانيا غاز الخردل من فرنسيين وألمان، وشرعت في إعداد أسلحتها الهجومية في ثكناتها بمليلية، وفي العام نفسه أصدر الملك ألفونسو 13 أمرا ببناء مصنع للأسلحة الكيماوية في لامارانيوسا La Maranosa ، معهد الأبحاث العسكرية، الذي مازال إلى اليوم يجري أبحاثه حول الأسلحة الكيماوية والنووية والبكتيريولوجية NBQ في مدريد
قام الجيش الإسباني برش الأسواق والمنازل وحقول الزرع وأماكن التجمع بالغاز، والهدف كان تدمير الجبهة الخلفية، يقول المؤرخ س بلفور Sebastian Balfour الأستاذ في London School ofeconomics ، ومؤلف كتاب ?عناق قاتلî الذين نجوا من الموت كانوا يتقونه بوضع المناديل، لكن لم يكن هذا كافيا، فعبر المنديل يستنشق الغاز الذي يحرف الرئتين، كانت هذه أقبح مادة عصرئذ
ويشرح فراجي بقي السم على صفحة المياه وفوق الصخور، الماشية تموت، أتذكر جاراً وطأت قدماه مستنقعا ملوثا بالسم فخر صريعاً، ما العمل؟ كيف نسقي الكروم؟ إنها ذكريات رعب من هذا العجوز الذي يجنح صوته إلى الخمود
أما محمد سانتياو فهو في الرابعة والثمانين من عمره، كان أيام المحنة في بطن أمه، سقطت القنابل في صحن دارهم، أمه فقدت بصرها على التو بفعل الغاز، وأختاه وأخواه أحدهما طفل يسمى محمد لم يفلتوا من غيض الرهاج كبريت السماء يقول سانتياو أمي تسعل وتسعل، وأختاي أصيبتا بالعمى، سعلتا وسعلتا إلى أن فارقتا الحياة
يؤكد سانتياو أن منزله في بوكيدان Boukidan يقع بالضبط في المكان الذي سقطت فيه القنابل أحد إخوة سانتياو تساقط شعره، وسنوات من بعد قضى نحبه مصابا ب أخنزير أما الثاني الأصغر فقد سقوه من ماء الحوض فانقطعت أنفاسه
يذكر الطيار الإسباني إناثيو Ignacio Hidalgo De Cisneros في مذكراته تغيير اتجاهî 1964 ما يلي في تلك الأيام طٌُلب مني أن أقوم بعملية صيد مخزية خولتني أن أتمتع بامتياز كوني أول طيار يقصف بمادة Iperita الكيماوية من الطائرة، وبرغم أنه فيما بعد سيذكر أن القصف لم يؤد مفعوله المنتظر السبب يعود إلى قلة التركيز في الأربع أو الست قنابل على الأكثر التي ألقيت، والتي تطايرت مع الانفجار وما وصل إلى الأرض كان ضئيلا لدرجة لم يحدث معها ضرر
إيناثيو ومحمد محمد العربي المعروف في أجدير بالمانكو أقطعمبتوراليد نشأ فقيراً فوق أرض غير ذات زرع، في سنة 1924 وهو طفل، فقد يده عندما لمس قنبلة انفجرت بين يديه
أما إيناثيو فقد ازداد سنة 1896وسط أسرة أرستقراطية كارلوسية CARLISTA من حزب الأمير كارلوس دي بوربون الذي خاض حربا أهلية ضد بنت أخيه إيزابيلا الثانية بدعوى أنه أحق منها بولاية العهد
اشتغل محمد كعامل بسيط إبان الاستعمار الإسباني، وإيناثيو حلق بالمقنبلات، وشارك في انقلاب فاشل ضد الملك الفونسو 13 والد الملك الحالي
صار محمد بطلا محلياً عندما وفق في إنقاذ بعض الغرقى من سفينة جنحت في شاطئ الحسيمة، إيناثيو تولى قبطانية الطيران الجمهوري في الحرب الأهلية 1936 وإلى الآن مازال وجه محمد وهو في الخامسة والتسعين يتجهم كلما تذكر أباه ميتاً ?دسوا له السم في 25 في 25 يرددها كلازمة
من يدري؟ فقد تكون واحدة من القنابل التي تحدث عنها إيناثيو
أيمكن لإسبانيا أن تدبر مذبحة كيمياوية؟ لا أحد ينكر استعمال هذه الأسلحة خلال الحرب، الوثائق التي أدلى بها المؤرخون مثل Balfour و Maria Rosa De Madariaga والصحافيان الألمانيان Rudibert Kunz و Rolfdieter muller هذه الوثائق واسعة ومفصلة، وكذلك شواهد زدبية، من قبيل Iman لـ Ramon Sender وسيرة Pedro TONDA BUENO
ولكن عند الحديث عن المقادير التي نثرت، وعن الأضرار في عين المكان، والمعدل العالي للإصابة بالسرطان الذي يسجل في جبال الريف حاليا، والمسؤوليات التي يمكن أن تستخلص للحكومتين الإسبانية والمغربية، الواحد يغرق في متاهة عويصة متجذرة في الافتقار إلى دراسات نهائية يقول Lorenzo Silva وهو كاتب متخصص في الريف يبدو أن الإسبان لم يصلوا إلى تطور التقنية بما فيه الكفاية، وبشكل يؤهلهم لإنتاج هذه الشرور المبيدة للعموم، لم يهيئوا طواقم هذا الأسطول، كانت بداية مرتجلة فحسب، ولكن، باستقلالية وبغض النظر عما إن كان ما يقذف جيدا أم قبيحا، فالأمر يتعلق بتصرف محرم لا تقره القوانين الدولية، إنها جريمة ضد الإنسانية، إن بقي أحد المسؤولين عنها على قيد الحياة يمكن أن يحاكمî
ويشرح عبد السلام بوطيب من المنتدى الإسباني المغربي للذاكرة المشتركة والمستقبل لقد ارتكبت إسبانيا في الريف جريمة، استعمرتنا وقذفتنا بالغاز وبعد جندت شعبنا في حربها الأهلية
الجمعيات الريفية المشابهة لجمعية عبد السلام تطالب منذ سنين الحكومتين الإسبانية والمغربية بأن تعترفا بما جرى، وتتقصيا، إن كان هذا هو سبب كثرة الإصابات السرطانية في المنطقة
في سنة 1958 قمع الأمير الحسن بدوره الثورة الريفية اللامتناهية بالناالم
دَيْن تاريخي ويضيف عبد السلام أغلبية المغاربة المصابين بسرطان الرئة أصلهم من الريف، لا يوجد فرد واحد لا تعاني أسرته من حالة سرطان على إسبانيا دين تاريخي لنا
ويسير سيباستيان بلفور في الاتجاه نفسه هناك أدلة مبدئية على أن مادة Iperita تسبب السرطان، وسرطان الأطفال أكثر انتشارا في المناطف التي قصفت منه في مناطق المغرب الأخرى، تماما كما أثبت لي مدير المستشفى الأنكولوجي بالرباط، يجب البحث فيما إذا كان الضرر يصيب الجيلين الثالث والرابع
ذكريات جراح في حقول محترقة، ومياه ملوثة، ورسومات على لوحة جامدة سادية غادرتها
الشخوص، ولم يبق سوى ما تحفظه ذاكرة تموت مع كل عجوز تفيض روحه في الريف
الأمثلة السكوت الرسمي والمقدرة العنيدة للحكومة الإسبانية على التملص من الاعتراف بما جرى للضحايا من جهة ومن جهة أخرى خضوع الجمعيات للصمت الذي فرضه عليها النظام الجديد طيلة عقود في المغرب
معرفة الحقيقة يقول إلياس العماري الناطق باسم جمعية ضحايا الغازات السامة المغرب لا يود تعكير صفو العلاقات مع إسبانيا، صيد السردين أهم، قيمة سردينة أعلى من قيمة ريفي ولكن علينا أن ننظر صوب الأطفال الأيتام بسبب السرطان، ممكن أن نكون على صواب، وممكن لا فقط نريدهم أن يساعدونا على معرفة الحقيقة،
إنه ماضٍ يضيع شيئا فشيئاً في السراب الريفي، منعكساً على صمت الأحجار التي صمتت دهوراً، سيضيع مع موت آخر رجل يتذكره
ويدلي فراجي برأيه الأخير نيابة عن كل من عاني من هذا الدرس التاريخي في الاستعمال السيء للعلم، لقد فعل الإسبان بنا ما حلا لهم، كانوا وقتها هنا يحكمون واليوم نحن هنا عندهم في إسبانيا، ما العمل؟ أنعود إلى عراك إخوتنا؟ لا نحن نصفح، المتقدمون في السن مثلي يريدون السلام فقطî