درج المهتمون على تصنيف ذوي الاحتياجات الخاصة إلى ثلاثة أنواع، وذلك بالرجوع إلى هذه الاحتياجات، فقد تكون احتياجات حسية كفقدان السمع أو البصر، أو احتياجات حركية كشلل في الأطراف، أو احتياجات ذهنية كالعته أو فقدان الذاكرة، فإن كان لهؤلاء احتياجات خاصة، فإن أبا العيال المحمدي معوق وله احتياجات لكن احتياجاته عامة وليست خاصة، فلنستمع إلي
عندما أسمع كلاماً عن الإعاقة، أستحضر على الفور صورة ثلاثة نماذج من معارفي المعاقين
أولهم كان يدرس معنا ونحن صغار، وكان كثير الحركة ولا ينضبط لمعلم، وفجأة غادر المدرسة، ودخل ورشة نجارة، وبحركة منه غير محسوبة العواقب بتر منشار الآلة يده اليمنى من العضد، وتنبأنا له بالفشل، لكنه لم يفشل، فبعزيمته وصبره قهر عاهته المستديمة، وبعد أعوام قليلة صار الولد المعطوب سباحا ماهرا بيد واحدة، وقناصا لا يخطئ البارحة قبل السانحة، وبطلا في سباق الدراجات، كل هذا بيده اليسرى، والثاني شاب كفيف، ولكنه ماهر في إصلاح الأعطاب الكهربائية في بيتهم وبيوت الجيران وأكثر من هذا استطاع بنباهته أن يلتقط أمواج الإذاعة بواسطة آلة فونوغراف، فهو يساعد المبصرين، ولا يطلب مساعدتهم ولله در الشاعر إذ قال
أبصرتُ أَعْمَى في الظلام بلندن يمشي فلا يشكو ولا يتأوه
فأتاه يسأله الهداية مبصرٌ حيرانُ يخبط في الظلام ويَعْمَهُ
فاقتاده الأعمى فسار وراءه أنَّى توجه خطوة يتوجَّهُ
وهنا بدا القَدَرُ المعربدُ ضاحكاً ومضى الضباب ولا يزال يقهقه
سبحان الله، كفيف يرشد من يملك عيوناً، إن لله في خلقه شؤون
أما النموذج الثالث، فهو شاب أيضا، شلت ساقاه في الطفولة، فاستعان بعكازين، والعجيب في أمره أنه من هواة كرة القدم، بل مولع بها ولعاً شديداً، ممارسة ومشاهدة، أما المشاهدة فلا تستغرب منه، ولكنه كان فعلا لاعبا يلعب مع رفاقه الأسوياء ويراوغهم مراوغة الند للند، وكان يرافق جمهور فريق مدينته إلىالمدن القريبة، ويشجع بحماس
هذه النماذج تختلف إعاقاتها، غير أنها تتفق في مواقفها من البلية وبعصامية نادرة حققت المعجزات، ولكن كفاءة هؤلاء لا تتوفر لدى كل المعاقين، وحتى لو توفرت، ما جزاء بطل في الرماية بيد واحدة؟ وكهربائي كفيف؟ ولاعب كرة بعكازين؟ وكيف يتم إدماجهم في المجتمع؟ وكيف نخفف عنهم قساوة القدر؟ أبالترخيص لهم بالتسول في أبواب المساجد والأضرحة؟ أبغض الطرف عن بيعهم للسجائر بالتقسيط؟
ولكن ما بالي استطبت الحديث ونسيت نفسي؟ وجردت منها محاميا يرافع عن ذوي الاحتياجات الخاصة، مع العلم أنني فعلا من ذوي الاحتياجات لكنها عامة، وليست خاصة
يشكل المعاقون عشر سكان المغرب، وهي نسبة- على كثرتها- قليلة بالقياس إلى معوقين آخرين- وأنا منهم- لا يعدون من الشريحة الأولى، وأعني بهم الشباب العاطل، ما الفرق بيني وبين الكسيح؟ لا شيء كلانا لا يعمل فأنا لم أجد عملا، وهو لا يقوى عليه، ولكنه أحسن حالا مني، لأنه لا يجد حرجا في أن يستعين بأبويه وإخوته وجيرانه والناس أجمعين، أما أنا فلا، ذلك أننا تعودنا بحكم العادة وليس الدين أن نقدم المساعدة للمتسولين والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، وليس لأمثالي الذين يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف، مع العلم أننا معوقون، لكن إعاقتنا ليست حسية ولا حركية ولا ذهنية، بل هي إحباطية، تجعلني غير مرغوب فيه، ويستثقلني أصحابي وإخوتي وأبي وأمي وأشعر بالإحباط، وأتمنى لو كنت كفيفا أومشلولا، أومعتوها حتى، ذلك خير من أن أظل عاطلا، أنتطر الذي يأتي ولا يأتي، بعد أن نفضت الدولة يدها من التوظيف، ولهث المستثمرون وراء الربح السريع، وتهيَّب عموم المواطنين من الشراكة مع العاطلين، وأنا أربأ بنفسي عن مد اليد للمحسنين، أريد أن أبقى موفور الكرامة، مرفوع الرأس والهامة، أوفر احتياجاتي بدون ملامة، فإلى ماهذا الانتظار إلامه؟