الحبيبان أطلس وطنجيس العدد 35

حط أبو العيال رحاله في طنجة، وهاله أمرها، وبكى لحالها، فعزف لنا هذه المقطوعة على ربابته القديمة.

*****

مدينة تنجب عبد الله ?نون، ومحمد شكري والطاهر بن جلون، وتساهم في النبوغ المغربي والفنون، وتعيش على الخبز الحافي والغواية والجنون، وتجتمع فيها المتناقضات كالورع والمجون، وكادح من أجل درهم، ومنفق مليون، فهذا رائجة تجارته وذاك بدون.

أتعلم أن طنجة قرية صغيرة؟ ليست للثقافة ظهيرة، المواسم في أصيلة الأثيرة، والكليات بتطوان ومرتيل جديرة، فعلى القرية الصغيرة أن ترحل إلى الحواضر الكبيرة.

في طنجة مسرح سر ?انتس العظيم، يعد معلمة في التصميم، وشهد له بذلك يوسف وهبي وفرقته في القديم، طاله إهمال وتحجيم، ولولا دفاع الطنجي الكريم، لآل أمره إلى أسقاط وتهديم.

كانت فيها مكتبات تسوق العلم والإفادة، منها واحدة قبالة موريطانيا وأخرى ببني مكادة. تحولتا إلى مقاهي ومطاعم تنظم للرواد اللقاءات والولائم. الناس في حاجة إلى ملئ البطون، ومن الترف قراءة المتون.

لأبي العيال ارتباط بناديه متين، مقهى أغلب رواده تجاوز الخميس، يسترجعون الذكريات والحنين، كان مقصفاً وملهى للمدمنين، وتحول أعلاه قاعة للشاي، وأسفله للعب البارشي، الورقات الأربعين، بجانب ميضأة وقاعة لصلاة المؤمنين، الأصالة والمعاصرة والدنيا والدين.

كان محمد شكري من رواد هذا النادي، وقد أعدت له برامج ولقاءات خير إعداد، أنجزها مهتمون من كل البلاد، والروبيو صديق شكري ما زال كالمعتاد، يزهد في تجارته ويعتكف في النادي، لعله ينتظر صديقه شكري الخفي البادي، وتطل على المقهى ثانوية عجمية الإسم واللسان، زعم لي واحد من الإخوان، أن الطاهر بن جلون نهل هنا من العلم والعرفان، بمعنى أن الطاهر وشكري في حكم الجيران، ذاك في الليسي وهذا مع الندمان، وجمعهما ?الخبز الحافي? الفتان، أحدهما مبدع والثاني كترجمان، وكانت الترجمة أروع بيان، فسطع في سماء طنجة شمسان.
المقاهي في طنجة فاخرة، تبيت عُظم الليل ساهرة، يرتادها الرجل والمرأة محجبة وسافرة. والموسيقى تصرح ساخرة? يا سمراء يا خليجية? يا بيضاء يا خليجية? ماذا تعني هذه الخليجية؟ أليست المنسوبة إلى خليج طنجة سواء الأفَّاقية أو الطنجية؟ إنها حملة ترويجية للمنتوج السياحي في البلاد الخارجية. بنت في الليسي أو كوليجية، بنت العشرين بالضبط ?اقرأها مصريا وعالجها بالدارجية.

هذا حالنا يا وزراءنا في الثقافة والشباب والخارجية. هذا حالنا يا جمعيات اليساريين واليمينيين والإخوانجية؟

لكن مهلاَ يا ممثل الدهماء? انزغ نظارتك السوداء، وغص في أعماق البحر أو تصعَّد في السماء، تجد طنجة في العلياء، فقد ذُكرت في القرآن وظهر فيها أنبياء، حسب زعم صحيفة محلية غراء، في طنجة عند مجمع البحرين التقى الأتقياء وفوق هذا لطنجة عزة قعساء، عادت الحمامة ذات مساء، إلى سفينة نوح وقد تأزم الوضع وساء، فألفى نبي الله غصن زيتون حملته الورقاء، وفي رجليها تربة لزجة سوداء، فصاح ?? الطين جاء? الطين جاء?î فعمت أهل السفينة مسرة ورضاء، ورست السفينة وغيض الماء، فسمُّوا مرساهم الطين جاء، وهاهي إلى اليوم تدعى طنجاء.
وفي رواية أخرى طنجة فتاة جميلة، أرادها ابن بلدها أطلس له حليلة، وتبادلا المشاعر النبيلة، لكن هرقل بقواته الدخيلة، أراد طنجيس لنفسه عنوة وغيلة، فاستجارت طنجيس الجميلة، بأطلس فأجارها بكل فضيلة، فلما علم هرقل بقصة الحب الطويلة، غضب وتوعد بالعقوبات الوبيلة، فضرب بجمع يده القبيلة، فكان الفصل بين القارتين حصيلة، والتقى البحران عند مجمع البحرين بين يوم وليلة.

ومات هرقل مدنسا بالرذيلة، وعاشت طنجة للأكارم سليلة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top