السيد خوصي كاطلان ديوس J.C.DEUS صحافي وكاتب إسباني، يهتم كثيرا بأخبار العالم العربي، وله كتب كثيرة منها كتاب حول الشخصية الملغزة لبندكت 16 وآخر بعنوان”العالم الرابع: الإرهاب والدين والبترول مع بدايات الألفية الثالثة.
الموضع الذي نحن بصدد تعريبه، نشره DEUS في موقعه على الأنترنيت WWW.INFODEUS.COM ، ونظرا لطول الموضوع ( 26 صفحة ) سأضطر إلى الاكتفاء بما قل ودل، فلا الوقت ولا الحيز يسمحان بنشره كاملا . نشر الموضوع في جزأين تحت عنوان جامع : المغرب بالنسبة للإسبان : ثم تفرع إلى عنوانين، عنوان الجزء الأو ل :إنه يتغير ما عساه يقدم من خير هذا الجار الجنوبي؟
وعنوان الجزء الثاني: إلى أبعد مما نتصور.
والبحث في الحقيقة خلاصة لرحلة عمل، قام بها ديوس إلى المغرب بدعوة رسمية عقب انفجارات الدارالبيضاء في شهر ماي الأخير، واتصل بالمسؤولين المغاربة وبعض السياسيين والإسلاميين ونقل تصوره حسب قناعاته.
المغرب بالنسبة للإسبان (1)
إنه يتغير، ما عساه يقدم من خير هذا الجار الجنوبي؟
لدينا جميعاً تصور جاهز في رؤوسنا حول الدول التي تحيط بنا، وقد يتكون هذا التصور من خلال دردشة، أو سفر منذ سنتين خلت، ولهذه التصورات دائما جانب صادق وآخر مبالغ فيه.
المغرب بهذا الاعتبار بلد الأوساخ، والمتسولين، والفقر، والتهديدات وانعدام الثقة … بلد ننظر إليه بازدراء، كما ينظر إلينا نحن الإسبان كثيرون من متحذلقي شمال جبال البرانص، ولكن فوق هذا التصور بجد مغربا بوجهين، وفي هذا التحقيق الصحفي سنتناول الوجه الوضيء للمغرب، ونستخلص واقعه، هذا الوجه الجميل موجود في المغرب، ويبدو أنه يزداد جمالاً، وإسبانيا تتمنى أن تتغلب الوسامة على الذمامة.
وأنت تنزل بمطار الدارالبيضاء تحسب أنك في مالقة أو أقل بقليل … ولكن الدارالبيضاء مدينة خمسة ملايين ونصف مليون نسمة بضواحيها الشاسعة، ومنذ بزوغ الفجر تبدأ الضوضاء ولا تهدأ إلا مع قدوم الليل، توابل إعداد حساء الإرهاب تلتقط من حي الفداء [كذا ] هذا الحي الهامشي الذي تتجمع فيه أفراد المهاجرين من مختلف مناطق المغرب، ونظرا لتماوج هذه الوفود، فقد حل بين ظهرانيهم بائعوا المخدرات والمهربون والمجرمون وعصابات المافيا التي تراقب الهجرة السرية إلى أوروبا وشبكات الدعارة . لكن لم نزر الفداء طبعاً، فنحن مدعوون لمشاهدة المغرب الذي يريد لنا المغرب أن نراه.
يمكن للواحد أن يعيش بضعة أيام في الدارالبيضاء، ويأخذ الطريق السيار شمالا أو جنوبا فلا يرى الضواحي البائسة الشاسعة، بل على العكس من ذلك سيجد عند مخارج المدينة ميادين فسيحة رائعة قلما تُبستن وبأرصفة تثيرك بنظافتها، وأنا أزعم أنها أنظف من مثيلاتها في إسبانيا، وباستثناء الشرطة السرية في المطار، والذين لا تطمئن إليهم العين، فإن الحضور الأمني غير كثيف برغم أن المدينة في حالة استنفار قصوى، ونشر فيها 2500 جندي لتدعيم مراقبة الأعمال الإرهاربية.
يوجد فندق سلسلة “حياة” في وسط الحي الأورربي من المدينة، ولكن في الزاوية على بعد عشرة أمتار يمر سيل من النساء المحجبات، والأرصفة متسخة.
يتمركز في الدارالبيضاء نصف النشاط التجاري للبلد، بالإضافة إلى محور طنجة تطوان والزخم السياحي في مراكش والفلاحي بأكادير، هذه هي محركات البلد.
تستغرق الرحلة إلى الرباط ساعة واحدة بفضل الطريق السيار المؤدى عنه، استقبلتنا المدينة مصونة محروسة في جزئها التاريخي، يبدو أنه فيها تتمركز إدارة الدولة، مجمع منظم نظيف مزهر محاط بسور أعيد ترميمه بعناية .
وتبدأ اللقاءات الحكومية بدون مقدمات، وزير داخلية مملكة المغرب ينتظرنا بطقوس احتفالية في هذا البلاط الذي اتخذه مقرا له، سيجيب عن أسئلة 20 صحفيا أجنبيا، هذا هو أساس كل اتصالاتنا الرسمية، الأمر يتعلق بـ “الاتصال بالمغرب الممكن ” من أجل اكتشاف هذا المغرب الذي أكمل نصف قرن من الاستقلال، مع دفعة عقب هلع 11 شتنبر ومخلفاته محليا.
بدءاً بوزير الداخلية: شكيب بنموسي هو الرجل المفتاح في الحكومة، ورجل ثقة جلالة الملك، هو الأول في سلسلة السياسيين الذين سنتصل بهم طيلة أيام مقامنا هنا، هذا الوضع يذكرنا في هيأة ووطنية التقنوقراط الإسبان خلال الستينات . صورة محمد السادس تتصدر الطاولة الكبيرة حيث نجلس، وفي الطرف الآخر خريطة للبلد تتضمن الصحراء وسبتة ومليلية.
الوزير بنشاطه المعهود يقول :”نحن بلد يؤمن بالتنوع، بلد مسلم، عربي، إفريقي، بعناصر أندلسية، يهودية، صحراوية، تربطه علاقة متميزة مع إسبانيا، أملاها التاريخ والمصالح المشتركة، والعلاقات الاقتصادية التي يمكن أن تتمتن أكثر “.
وبهذا الأسلوب يقلل من أهمية التهديدات وما قد يسببه “الجهاد الثوري”
باستبدال الجماعة السلفية للدعوة والقتال إسمها باسم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أصبح من المفترض أن تغير استراتيجيتها على الصعيد الجهوي، فسجلت العديد من محاولات التطور في المغرب عبر بعض الجماعات الصغرى، “لقد فشلوا إلى حد الآن، ورغم ذلك ينبغي أن نبقى مستيقظين لأنهم يتطورون بسرعة”.
كل المتحدثين الرسميين أجمعوا لنا في هذه الزيارة على أن الخطرالداهم يكمن في منطقة الساحل، حيث يتوفر تنظيم القاعدة على قواعد لوجستيكية للتدريب التي يجب أن تحظى “باهتمام شديد ” وكذلك يؤكد المغرب أنه توجد علاقات بين شبكات الإرهابيين ونظيرتها ممن تشتغل في الهجرة السرية وتجارة المخدرات (مع حضور الجماعات الإسلامية المتطرفة الشيء الذي يمثل خطرا محدثا، يقول الوزير “طرق المهربين يمكن أن تستعمل من طرف الإرهابيين” “الساحل تهديد مباشر لأوروبا”
ومردُّ ذلك وجود فروع غير معروفة من الإرهابيين المتخفيين كخلايا نائمة تنتظرالأمر بالعمل.
يؤكد وزير الداخلية أنه لم يعثر على أي علاقة تربط المعتقلين أخيرا بشبكة القاعدة، وأن مجموعة من الشبان -وهؤلاء نعم- كانوا يتدربون في الساحل رُصدوا وألقي عليهم القبض بمجرد عودتهم إلى المغرب.
لا يجري ذكر أن المغرب يعيش حالة طوارئ منذ ما يقارب السنة، وأن الحكومة وضعت حداً للخدمة العسكرية في المغرب، التي كانت تفرض 18 شهرا من التدريب العسكري على كل شاب بلغ 18 سنة من عمره، والسبب على الأرجح تلافي استغلال الإرهابيين للمتعاطفين معهم من المتدربين من أجل معرفة منشآت الجيش ونقط ضعفها، كما قد يكون الأمر متعلقا بالشروع في تحديث القوات المسلحة وتجويد احترافيتها على غرار ما حصل في الجزائر.
في السنة الماضية ترك الجنرال حميدو لعنيگري الإدارة العامة للأمن الوطني، وترك الجينرال محمد بلبشير مديرية مراقبة التراب الوطني، وجرى تنقيل 12 رئيسا وضابطا داخل إدارة الأمن، هذه التغييرات في قبة الجهاز قد تفسر بمدى تأثير التهديدات الإرهابية، ولكن بعض الملاحظين المتفائلين يذهبون بعيداً ويتوخون أن يكون هذا التغيير فاتحة عهد لتقليص السلطات التقليدية في المغرب-للمخزن مثلا – حتى يمكن للبلد أن يتوجه قدما نحو الديمقراطية والعصرنة.
يقول السيد بنموسى :”نددنا بشدة بأحداث مدريد .. وعملنا بتعاون تام مع الحكومة الإسبانية، وهذا دليل على أننا كنا نتعاون مع الحكومة السابقة، وهذا موثق، ولكن التعاون تقوى مع الحكومة الحالية، حصلنا على نتائج : الهجرة السرية انخفضت بنسبة 60 ? في السنوات الأخيرة “.
ويتعرض للرواية المغربية لموضوع الصحراء، وهو من الأهداف الرسمية لهذا السفر الذي تصادف مع الشروع في نيويورك في المحادثات تحت رعاية الأمم المتحدة، وأمريكا وفرنسا، الذين يريدون حل المشكل قبل أن يتخذ مسارات خطيرة، “قدم المغرب مجهودات وتنازلات من أجل الخروج من الوضعية الحالية وخلق شروط الاستقرار والأمن”.
وفيما يتعلق بالانتخابات في شتنبر المقبل، يؤكد بنموسى على نفس شفافية 2002..
… النظام المغربي يؤكد على أنه “قام بإصلاحات متعددة ” إنه منهمك في “دينامية للتنمية المستدامة ” وعنده :مشروع للمستقبل قائم على شرعية واستقرار المملكة تحت القيادة السامية لأمير المؤمنين ضامن حرية المعتقد للمغاربة ” “نحن شريعة معتدلة ومنفتحة من الإسلام الذي نود الحفاظ عليه”.
ويعترف بنموسى بوجود “تيارات وهابية وجهادية، وشيعية، في طور التشكل وتود أن تتطور” ولكن “نحن سنيون معتدلون مالكيون نرفض كل أشكال التطرف”.
دينامية الناطق باسم الحكومة
من قلعة وزارة الداخلية… في المدينة العتيقة… إلى عمارة وزارة الاتصال في المنطقة الجامعية الجديدة… حيث يتجول الطلبة ومن بينهم العديد من المحجبات.
نبيل بنعبد الله هو الأكثر عصرية في هذه الحكومة، وزير شاب ومندفع … الوحيد في الإئتلاف الحكومي من الحزب الشيوعي القديم، والذي قال لنا بمجرد الجلوس “المغرب في مرحلة بناء شامل بإصلاحات راسخة، منذ وصول جلالة الملك محمد السادس إلى العرش، عندنا حرية كاملة للصحافة عملياً، بالرغم من أنه بقي الكثير مما ينبغي فعله….”.
ويتوافق الوزير الناطق باسم الحكومة مع وزير الداخلية على اعتبارهما للمفاوضات حول الصحراء بين المغرب والبوليساريو جد هامة للبلد، كما يتخوف من الصعود الإسلامي بشقيه الشرعي وغير الشرعي، وكذا الأقلية الإرهابية .
“ليس أسود حالكاً . ولا أبيض ناصعاً، هذا هو المغرب، كما هي الحياة نفسها، نحن بلد في مرحلة انتقالية ” ويعتبر العلاقات مع الجار الإسباني “أفضل شيئا ما ” ويصف الصعوبات الجغرافية لبلده،،، إغلاق الحدود مع الجزائر، مشاكل جمة في الجنوب، ناهيك بالصحراء والمحيط الأطلسي في الغرب، يصف بنعبد الله موقف المغرب في الصحراء بشكل لا يرضي المؤرخين، يقول بأن مقترحه للحكم الذاتي “: لا غالب ولا مغلوب” نال رضى مدريد باريس وواشنطن، ودول أخرى.
… ويؤكد أن أغلبية الشعب الصحراوي يعيش فوق التراب المغربي، وأن المجلس الاستشاري الذي تكون من كل القبائل والتيارات ونشطاء المجتمع المدني وحتى الأصوات المخالفة، ينبغي أن يوضع في الحساب أنهم يمثلون جميع الصحراويين وليس جبهة البوليساريو وحدها ” سنتوجه على أمل الحوار، ونحسب أنه سيكون حاسما برغم صعوبة القضية، ولكن مع حسن النية تزول الصعوبات” ويحدر بنعبد الله من الدعوات الجديدة إلى المعركة المسلحة ويصفها بأنها سلبية.
التحول على الطريقة المغربية
هؤلاء التقنوقراط من السياسيين المغاربة الجدد، هذه النخبة الذين يضارعون زملاءهم في الغرب . هذا هو العامل الجديد في العقد الأخير، بغض النظر عن كل المسافات، يمكننا أن نقارن مغرب اليوم بإسبانيا في أعوام الستينات، بساستها المعصرنين إلى جانب الـ OPU DE(دعاة الحق الإلهي) إن كانوا جديرين بتقليد النموذج الذي يستحق التقدير للوبيث برا?و (BRAVO) ولوبيث رودو RODO… وآخرون.
… وإذا ساعد عامل الوقت … فإن أمام المغرب عشر سنوات على الأقل من “شبه ديمقراطية ” ريثما تترسخ، لا تبدو العجلة المفرطة على المستوى الأعلى من النظام المغربي، وزيره في الاتصال يعطي وصفاً زاهيا للتحوير الإعلامي، بعشر محطات إذاعة خاصة، وأول تلفزيون برأسمال حر، فرنسي مغربي، على أهبة الشروع في البث،… تكاثر الصحون المقعرة، خمسة ملايين صحن في البلد، ثلثا السكان يتصلون بالعالم عن طريق هذه الصحون وبدون وسطاء.
أمد إسلامي يواجه التنمية المسايرة للنهج الغربي؟ يقول بنعبد الله بأنها ليست موجة عاتية كما في باقي الدول، وبرغم أن حركة العدل والإحسان ترفض الديمقراطية والملكية وتود الرجوع إلى الخلافة، فإن نفوذها محدود، أما فيما يتعلق بخصومه من حزب العدالة والتنمية، فإنه يؤكد على أن اتصالهم بالواقع القاسي في التسيير العام لم يكن هينا برغم تمتعهم بالامتياز الذي تتمتع به كل معارضة، ولكنهم سيبقون بعيدين جداً عن 166 من المقاعد الكفيلة بالأغلبية المطلقة.
تتكون الحكومة المغربية الحالية من تحالف موسع من خمسة أحزاب سياسية بزعامة الاشتراكيين الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية،والوطنيين الاستقلال واتحاد الحركات الشعبية المتجذرة في البوادي، ونصير القصر التجمع الوطني لأحرار، والشيوعيون سابقا حزب التقدم والاشتراكية ..
أيمكن لحزب العدالة والتنمية الإسلامي المعتدل أن يدخل الحكومة؟ “حسنٌ يتعلق الأمر بالتحالفات، أما أنا فمعلوم أنني لا أحبذه، ويمكن أن أسمح لنفسي بقولها صراحة”.
في المغرب المثالي الذي تقدمه “المؤسسة” في الواجه للخارج كله بشاشة ونجاحات، ولكن الأكيد أنه في مارس 2004 أصدرPew Research Center استطلاع رأي نموذج جاء فيه أن هذا المغرب الذي يبدو معتدلا نجد 45 ? من المستجوبين يتعاطفون مع بن لادن، و 60 ? يبررون الهجومات الانتحارية، و 73 ? يعترفون بحملهم لنظرة سيئة عن المسيحيين، “هذا الاستطلاع المفترض تقدير تخميني وليس عمليا يفتقر إلى العمل الميداني وليس موضوعيا، لأن أغلبية المغاربة ينددون بالإرهاب ولا يتعاطفون مع الإرهابيين … بعض المنظرين والمحللين الدوليين .. يعتبرون أن الديمقراطية في البلاد العربية لا تفرز إلا إسلاميين، يصوغون هذه النظرية لأنها تعجبهم، بهذا الاعتبار فنحن المسلمين جينيا ” لسنا ديمقراطيين، هنا في المغرب سنبرهن على أن هذه النظرية غير صحيحة سندير أعناقنا بعيدا عن هذه النظرة”.
الوزير الناطق المتحمس لا يبتسم الآن ، قد أفضت مقارنته إلى زرع قليل من الروع في القاعة.