قدمنا في العدد السابق قسماً من الجزء الأول من بحث السيد خوصي كاطالان ديوس J.C.DEUS ، وسنكمل في هذا العدد تعريب ما تبقى من هذا الجزء على أمل أن نعرض الجزء الثاني في الأعداد القادمة، وللتذكير فإن DEUS صحافي وكاتب إسباني ينشر مقالاته في الصحافة الإسبانية، ومن أشهر كتبه : كتاب حول الشخصية الملغزة للبابابندكت، وكتاب بعنوان : الحرب العالمية الرابعة : الإرهاب والدين والبترول، مع بداية الألفية الثالثة، وللإطلاع على إنتاجه يمكن تصفح موقعه WWW.INFORDEUS.COM
*****
المغرب بالنسبة للإسبان
إما أن تكون مسيحياً أو مسلماً
هذا شيء لابد منه، لا بد من فسخ التعويذة التي يصبح بها كل سياسيي العالم أساتذة، يتقنون فن ملاءمة الواقع مع خطابهم، وخطابهم مع مصالحهم.
إن لمطران الرباط المونسينيور VINCENT LANDEL ثلاثين ألفا من الأتباع المسيحيين في أسقفيته، من بينهم أربعون قسيسا ومائة وخمسون ناهبا، كلهم أجانب، لا يحق التمتع بالجنسية المغربية إلا للمسلمين، وبعبارة أخرى المغربي المسيحي ليس له الحق في أن يصبح مغربيا لسبب وحيد هو كونه مسيحياً . له أن يختار بين أن يكون مسلماً مغربيا، أو مسيحيا بدون جنسية، يقول المطران: “ليس في مقدور المغربي أن يصير مسيحيا، لأن الإسلام هو دين الدولة، ولكن كنائسنا مفتوحة، ويمكننا أن نجتمع دون مشاكل، بشرط ألا نمارس التبشير”.
صليب الكاتدرائية الكاثوليكية يشمخ في الرباط، كما أن هناك كنائس في المدن الهامة ونسألة: متى يمكن للمسلم أن يصير كاثوليكيا؟
يدخل وزير الاتصال في استطراد طويل شارحاً أنه في المغرب يُتحدَّث عن كل شيء، المثلية الجنسية أيضا موضوع مفتوح، ولكنه يعترف :”حسب الدستور لا يمكن :” بدون مواربة، لا يعبر عن رغبته في أن يتغير، ولا حتى إمكانية أن يتغير، لا يمكن، ونقطة نهاية .
ولكن في الشارع، وفي وسائل الإعلام هناك حرية، »شهد موضوع المؤسسة الملكية انفتاحاً هائلاً، لدرجة أصبح معها الاحترام الواجب متجاوزاً، في إمكانك اليوم أن تقول رأيك في جميع مجالات المؤسسة، كل شيء قابل للنقاش والنقد، مع احترام الحياة الخاصة «.
أكثر ما يهم وزير الاتصال اليوم هو المصادقة على قانون الصحافة، وإنشاء مجلس استشاري مستقل ليعتني بقطاع الإعلام.
انتهى اللقاء بنادرة لطيفة تقوم مقام ألف كلمة، المستراحات الملحقة بالقاعة التي اجتمعنا فيها لها باب واحد للرجال والنساء يقتسمون المغسلات، ويفترقون في المراحيض، يبدو أنه الحمام الأكثر تقدما في البلد …
التيار الإسلامي المتنامي:
… استقبلنا رضا بنخلدون عضو الكتابة العامة لحزب العدالة والتنمية المكلف بالعلاقات الخارجية، وأوصلنا إلى الطابق الثاني … وبسرعة وصل سعد الدين العثماني مع مجموعة من مساعديه وقد اتسعت ابتسامته من الأذن إلى الأذن .
من الشائع بين الصحافيين الذين يعرفون العالم العربي، أن التيارات الإسلامية تستعمل نفاقا مزدوجا، خطابا معتدلاً موجهاً إلى الخارج، وخطابا حارقاً لأهل الحمى، أما بنخلدون، فقد بدا بشوشا معتدلا متعاونا ورصيناً، لا يبعث على الشك، خصوصا وأن حزب العدالة والتنميةP.J.D من إنشاء ذوي بصيرة في القصر من أجل التحكم في أي مفاجأة دامية كما حدث في الجارة الجزائر قبل اليوم بعقد ونصف من الزمن، والتي مازالت لم تضع أوزارها.
ولد الـ P.J.D من رحم تنظيم صغير أسس سنة 1969 »الشبيبة الإسلامية « كان هدفه التصدي للمد اليساري المتطرف الذي شهد نشاطاً في المغرب عهدئد، وكما جرت العادة فقد انقسم التنظيم إلى عدة جماعات، مارس بعضها الإرهاب، واجتمع المعتدلون سنة 1997 مع تنظيمات أخرى فأسسوا حزب العدالة والتنمية، المؤسس أصلا من طرف عبد الكريم الخطيب، وهو رجل قديم من رجالات النظام ووزير للحسن الثاني.
يتخذ حزب العدالة والتنمية المغربية من الحزب التركي الذي يحمل الإسم نفسه مثالاً، هذا الأخير الذي وصل إلى الحكم مع الوزير الأول رجب طيب أردوغان، وبالنسبة للعديد من الملاحظين فإن الـ P.J.D المغربي سيكون القوة الأساسية الأولى في التأثير الاجتماعي بالمغرب.
ينكرون أن يُدرَجوا ضمن التيارات الإسلامية، فهي هوية غير متجانسة، يحتضن الحزب تياراً غالباً من الراديكاليين الإسلاميين، حركة التوحيد والإصلاح، ومع ذلك يدافعون عن ديمقراطية إسلامية عصرية، دون مساءلة شخص الملك، لدرجة يعتبرهم معها بعض الملاحظين حزباً وطنيا محافظا، أكثر منه إسلاميا راديكاليا…
… وللحزب نقابة… متغلغلة في أوساط التعليم والصحة والإدارة العمومية… وله حضور في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب…. وجمعيات المحامين الذين تجمعهم بالحزب بواعث عقدية.
لذا فليس مستغرباً من زعيم حزب وافق في الانتخابات السابقة على تقليص ترشيحاته إلى النصف في الدوائر الانتخابية حتى يبقى كثالث قوة سياسية، ليس مستغربا أن يفتتح مداخلته مشيداً بما حققه البلد من تقدم، ومادحاً التطور الديمقراطي الذي انطلق منذ 15 عاماً، وشارحا الإصلاحات السياسية والاجتماعية، مدافعا أكثر من غيره عن مدونة الأسرة، مبدياً دفاعا عن حقوق الإنسان : »كانت الانتخابات السابقة الأقل تزويراً في التاريخ، بيد أنه لا يمكن مقارنتها بالأوربية، وإن كانت أكثر تقدما من باقي العالم العربي «.
الحق الإلهي OPUS DEI بالطريقة الإسلامية
< كيف نُعرِّف هذا الـ P.J.D الذي يحدث التوازن بين الإسلام والديمقراطية؟
> »نحن حزب سياسي بمرجعية في المغرب، نحن نعادل الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا، نحن أكبر حزب في المعارضة، لدينا 42 مقعداً، نفس مقاعد الأحزاب التي تقدمتنا تقريبا، وننتظر أن نصبح الحزب المغربي الأول في انتخابات شتنبر، وكما يدل على ذلك إسمنا، نريد عدالة اجتماعية، وتنمية اقتصادية، الإثنين معاً، في بلد نسبة الأمية فيه 40 ?«.
كان العثماني طبيباً قبل انخراطه بنجاح في الحياة السياسية، رجل قليل الكلام، يحافظ على أصول اللياقة، يبدو عليه الابتهاج كلما ورد في الحديث إسم أردوغان وزملاؤه في الـ P.J.D التركي.
»نحن نتأمل تجربتهم، لدينا علاقات من أجل التكون في ميدان التحملات الانتخابية، نتعلم التسيير البلدي منهم، ولتهدئة روع الجيران الأوربيين نرى فيهم مثالاً كيف أن حزباً إسلاميا استطاع تقوية الانفتاح الاقتصادي . وحزبنا سيقوم بالمثل كما أكدت في زياراتي لإسبانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا.«
< أيمكن لحزب العدالة والتنمية أن يصبح OPUS DEIS إسلاميا؟
> محتمل، فقد آن الأوان للتيار الإسلامي المعتدل أن يحاول العصرنة بنغمة إسلامية تتلافى الفشل الذي آلت إليه الكثير من الأحزاب ذات التنظير الغربي أو الماركسي.
يعرف حزب العدالة والتنمية أنه في ظل سياسة الأحزاب المغربية المفتتة (36 حزباً ) من بينها ستة أو سبعة ذات وزن، لا أحد يستطيع الظفر بأزيد من ربع الأصوات، ولكنهم مستعدون للتفاوض من أجل الحصول على الحكم هذه السنة .
< أيمكن للعثماني أن يصبح الوزير الأول الجديد للدولة؟
> أنا مستعد لخدمة المغرب إذا سمحت الظروف السياسية بذلك، نحن نعلم أن السلطة منهكة، ولكن قراراتنا اتخذت بشكل شفاف عبر ديمقراطية داخلية.
يتركز نقد الـ P.J.D في هذه الأثناء حصرياً تقريبا على محاربة الفساد، إنها مفتاح حل المشاكل الاجتماعية، بحيث لا تنتهي أموال الإصلاح في جيوب أقلية . »إدارتنا فاسدة جداً، النخبة تغتنم وتحافظ على هذه الوضعية لأنها تناسبها . الـ P.J.D سيقطع عنهم هذه الامتيازات، لذا يحاولون بدورهم قطع الطريق عنا ” ، وفيما يتعلق بالفتنة العنيفة »نحن نلعب دوراً وقائيا ضدها، ندافع عن الديمقراطية، ونحارب سلميا الفساد، لقد أبعدنا آلاف الشباب عن هذه الأفكار «.
من المفترض أن يعتبر الـ P.J.D سبتة ومليلية أرضا مغربية كاتبه العام يكتفي بالقول بوجوب الحوار من أجل حل “سوء التفاهم هذا”.
وهكذا يكون أنصار التيار الإسلامي القانوني في المغرب إسلاميين Islamicos وليسوا إسلاميين متعصبين Islamistos ، وديمقراطيين ولاينادون بتطبيق الشريعة في اليوم الموالي لتوليهم السلطة، ليسوا وهابيين، ولا صوفيين، إنه تفسير عصري للإسلام، إنه ليس حزبا دينيا يخضع لتعاليم محددة »هناك تجاذب بين العصرنة والإسلام، بين الديمقراطية والإسلام، نريد أن نبني بالجمع بين أحسن ما في التقاليد وأحسن ما في العصرنة”.
ثنائية الإسم: تنمية وروحانية: يؤكد الكاتب العام لحزب العدالة والتنمية أنه لا تربطهم في الوقت الراهن أي علاقة بمنافسيهم في حركة العدل والإحسان … كلاهما يتكلم عن العدالة لكن واحداً اختار إرفاقها بالتنمية بينما اختار الآخر “الإحسان “…
تأسست حركة العدل والإحسان سنة 1987- مع العلم أنها كانت تنشط منذ 1973 – على يد عبد السلام ياسين الذي ظل بين الاعتقال ورهن الإقامة الإجبارية زهاء ثلاثة عقود وبنته ندية ياسين الوجه المحبب في الحركة، تسهب في إدلائها بالتصريحات لوسائل الإعلام من كل أنحاء العالم، والتي تميط خلالها اللثام عن مطالبتها بأسلمة المجتمع وإبعاد الدور الديني عن العاهل، وبرغم وضعية الحركة اللاقانونية، فإنها تنعم بالتساهل، وتشرف -حسب المراقبين – على بضع مئات من الجمعيات من مختلف الاختصاصات .
لا يتعلق الأمر بحركة سياسية بحتة، بل يواظبون على الأعمال الاجتماعية من أجل أسلمة المجتمع بحضورهم في المساجد والمستوصفات، والأعمال الإحسانية، والهيئات الجامعية …الخ، ويؤكدون نبذهم لكل أنواع الإرهاب، ويلحون على أن “الجهاديين ” ليسوا مسلمين جيدين .
لا يمكن فهم عودة الأسلمة Reislamizacion للمجتمع المغربي بمعزل عن الدور النشيط لهذه الحركة المتعددة الوجوه وذات الشعبية الهائلة.
ياسين لا يعترف بلقب أمير المؤمنين، وهذه عقبة تحول دون الاعتراف بشرعية حركته كحزب سياسي، لو حدث وصوَّت مئات الألوف من أتباع الحركة لحزب العدالة والتنمية، فإنهم سيرفعونه إلى القمة، ولكن محتمل جداً أن يمتنعوا عن التصويت في شتنبر المقبل، يقول العثماني .
»لدينا في الـP.J.D خط مختلف تماماً، نحن نعوِّل على الديمقراطية داخل المؤسسات، هم يرفضون هذا، ويقولون بأننا بعنا أنفسنا، ولكن في الغالب أنهم هم الذين بيعوا”…. لكن بعد يومين من هذا التصريح سيكتب مدير يومية Aujourd’huit le Maroc القريبة من الحكومة بأن”أغلب مسؤولي الـ P.J.D ، ومنذ زمن بعيد، تربطهم تعاملات مع مصالح الدولة، قلما تكون مباحة، وبطريقة سليمة أو غير سليمة، بما في ذلك مصلحة الأمن”.
وصنف الـ P.J.D بـ »القريب جداً من الأمريكيين«.
حركة أخرى عملت من أجل المساهمة في الأسلمة المغربية.. إنها جماعة الدعوة والتبليغ التي أسسها الباكستاني محمد إلياس.
وفوق كل هذا نجد الوهابية المستوردة بشكل لا مسؤول من السعودية، أسس تقي الدين الهلالي، تنظيماً وهابياً منذ سبعينيات القرن الماضي، أطلق عليه إسم “دار القرآن والسنة ” كما ظهر تنظيم وهابي آخر أسسه محمد مغراوي وسماه “جمعية الدعوة إلى القرآن والسنة ” ، من هذه الجماعات انبثقت أخرى كانت بدورها أكثر راديكالية ومنهم الدعاة والخطباء الذين اكتسبوا شعبية في بعض مساجد كبريات مدن المغرب، في هذا الجو تفرّخت الجماعات الإرهابية، ولنكون أكثر دقة لابد من القول بأن الوهابية في قطاع واسع منها تخضع للقصر الملكي السعودي، والتي – وإن شددت الميدان الأخلاقي- ترفض الإرهاب الجهادي.
العثماني ليس من التشدد في الميدان الأخلاقي، وهو من أنصار رفع الولاية عن المرأة، بدليل أن لهم ستا من النائبات البرلمانيات، أكبر عدد من المستشارات بعد حزب الاستقلال “العدو الأول لحزب العدالة والتنمية هو شراء الأصوات، حاربنا وسنحارب هذه الآفة، على كل المستويات، ونتمنى أن تنقص حتى يمكننا أن نصير في وقت وجيز، الحزب الأهم في المغرب، في شتنبر سنحصل على ما بين 60 و 70 مقعداً، ربما أكثر.
انتهى الجزء الأول.