العدد 62

– أحلتُ على المعاش وهو المتوقع، بعد أربعين سنة، لم أشبع، والحرقة في كبدي تلذع، كنت أسدا في عريني وأشجع، صحيح أنني قضيت سنوات أتسكع، كمعلم في القرية أو المربع، لكن بعد تكليفي بالتفتيش صرت أنفع، وسلست الحياة وصارت أمتع، وكتب لشمس شهرتي أن تسطع، وكل من يراجعني يتتعتع، ومرت السنون بعشراتها الأربع، وها أنا في بيتي أقبع، ولترك الوظيفة عيني تدمع، لكن التجريد من السلطة كان أوقع

– لا عليك أبا العيال، فهذه سنة الحياة، ولكل مرحلة طعمها، كنت معلماً مغمورا، وصرت مفتشاً مشهورا، وعش متقاعداً مستوراً، وتقبل نصيحتي مشكوراً، همصورا، تهابك الجوارح عقباناً ونسورا، وهاقد أصبحت مهجورا، لا لا َ? لست مهجوراً، فالمرء فاعل ما لم يصر مقبوراً، بل يستمر خيره أو شره دهوراً، وعندها يكتب عنه التاريخ صفحة أو سطورا، أو يرمي في مزبلته مدحورا

– أود لو تبقي لي البطاقة حضوراً، بمهنة المفتش الممتاز ولو زوراً، متخيلاً زهو السلطة عصوراً، ويخرجونني من المسكن مقهورا، ولا أرضى بغيره منازل أو دوراً، من أين لي بيت شاسع حُقَّ أشجارا وزهورا، وسومة كرائه ليست شيئا مذكورا  لقد صرت يا ويلتي ? رجلا بوراً

– أنت معذور أبا العيال، فلست نسيج وحدك بدون مثال، فهذه أحزاب ونقابات وعمال، وجامعات وطنية وبيوت أموال، اختلطت فيها الحبال بالنبال، والكل متربص محتال، كل سلاح مشروع في هذا النزال، بحجب ثقة أو انشقاق أو احتلال، وليلجأ المتضرر إلى القضاة الأعدال، فقد يحكمون له بالإبدال إن ثبت لديهم إعلال، والحقيقة أن هؤلاء الأفيال، لا يهمهم إبدال ولا إعلال، إنما هي صولة سلطة واقتتال، من أجل بزوع شمس أو هلال، دونما حاجة لاقتراع أو للقانون امتثال، أن تصير زعيما يكفيك باحتيال، أن تستيقظ باكرا قبل الأسد والأشبال، وتحتل المقر بتكسير الأقفال، وتنفخ في النفير بأنك الأسد الرئبال، وسابقك فاسد على المحكمة يحال

– أنت مثلهم يا أبا العيال، تريد الاستبداد في هذا المجال، كذا تربينا ونحن عيال، الحس الديمقراطي مغيب ومغتال

– في الدول المتقدمة حيث الجاه والمال، يستقيل الوزير لمجرد القيل والقال، وقد يخالف مخالفة بسيطة فيبادر بالاعتزال، ولم المخالفة والقيل والقال؟ فالعظماء في كل مكان بالأقوال والأفعال، لا يصيبهم جنون العظمة ولا إعلال، فيعتزلون المناصب في أوج العز وحسن الحال، فهذا مانديلا قضى شبابه في اعتقال، ولما حرر شعبه أفسح لغيره المجال، وليوبولد سنغور أسد السنغال زهد في الرئاسة والجاه والكمال، وتفيأ من الشعر الظلال، هذان من قارتنا ليسا في جبال أورال

– أما عندنا فالزعماء راسخون كالجبال، قالها الكواكبي على سبيل المثال? المستبدون الصغار للكبار ظلال، الكل مستبد بمن دونه بلا جدال، أنت مفتش ممتاز بدون زوال، وهؤلاء زعماء نقابيون إلى أن يظهر الدجال، وآخرن زعماء أحزاب إلى أن تحين لهم آجال، وبعضهم سائس للأسود في الميدان لا في الأدغال، وكل منهم زاعم تحقيق المحال، وأن الهيئة بدونهم ستفقد الأوصال، هم وحدهم أكفاء وغير أطفال

– زرعت الفتنة بين أسود الأطلس والأشبال، فخارت قواهم كأنما أرضعوا الأفيال، وأنفقت بسخاء على الثعالب الأموال، من أجل ترويض الأسود بل تهجينها في الحال كل منهم معتضد ومقتدر وفعال، رحم الله ابن رشيق إذ قال

مما يزهّدني في أرض أندلس ? أسماء مقتدر فيها ومعتضد
ألقاب مملكة في غير موضعها ? كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top