المغادرة الطوعية المغادرون والغادرون
تأمل أبو العيال فيما أقدمت عليه الحكومة من تشجيع للموظفين على التقاعد المبكر، والذي أسمته مغادرة طوعية، فما معنى المغادرة يا أبا العيال؟
المغادرة على وزن المغامرة والمخاطرة، وبالتالي فإن العملية ستشمل مغامرين ومخاطرين، إضافة إلى المغادرين، لكن هناك فئة من الموظفين لا تصنف مع المغامرين ولا المغادرين، بل هي ماكثة ضمن الغادرين، متخفية بين شرفاء العاملين الساهرين
أبدأ بالمغامرين، وهم أوساط الموظفين، الذين يحسبون التعويض المنتظر مالاً لبداً، وأنه باق دائما أبدا، فعليك أخي أن تُعِدَّ عُدداً، وتبرمج لما ستفعله غدا، علماً أنه ليست كل الأيام آحادً وأن للسوق مناقصة ومزاداً، وأن للتضخم كل يوم بلاداً
أما المخاطرون، فهم الموظفون، في السلاليم الدنيا مصنفون، فضلوا عيشة الكفاف والعفاف، والغنى عن الأجلاف، وسميثهم مخاطرين تشبيهاً لهم بالمخاطرين في الفن السابع، الذين يؤدون الدور الرائع، ولكن كدُّهم ضائع الممثل يأخذ الكعكة كاملة، وله وحده الشهرة الشاملة، وللمُخاطر غرق في بركة آسنة، أو اكتواء بنار ساخنة، أنتم يا كرام، لكم كل تقدير واحترام، وبوركتم كما بورك عصام، ولقمة من حلال غير حرام، خير من كنوز اللئام
وأما المغادرون حقا، فهم الذين سبقوا سبقاً، وطرقوا باب الخروج طرقاً، وكانوا يوماً قد تسللوا من النوافذ خرقاً، تحسبهم أشباحاً أو عفاريت رزقاً، خرجوا من الباب في واضحة النهار سالمين غانمين كالأطهار، لم تهتز لهم شعرة من فَرَق، ولم يَصْحُ ضمير من أرق، اذهبوا، أنتم الطلقاء غير مأسوف عليكم يا رفاق، لعل إدارتنا تشمل بنقاء، ولله وحده البقاء
كل هؤلاء بمن فيهم المغادرون، تصرفوا بثبات، وتمتعوا بمكتسبات هنيئا لكم تفضلوا انصرفوا غير مطرودين فنحن في زمن الإنصاف والمصالحة، فالبعض يُنصَف بارتياح، الآخر يصالح دون إلحاح
ولكن تبقى الفئة المستهدفة، والتي آثرت أن تبقى مُخَلَّفة، لم تلن قلوبها المغلقة، ومازالت تخرب بالمعول والمسلفة، غادرة غير مغادرة، ولجميل الوطن ناكرة، هؤلاء الذين اتخذوا الوظيفة بقرة حلوباً، فامتلأت لهم منها جيوباً، وشيدوا عمارات ودروباً، ومازال سعيهم دؤوباً، لهم أجورهم، وهذا من حقهم، ولهم امتيازاتهم وهذا من حذقهم، ولكن ليس من حقهم تجريد الناس من رزقهم، وحرمان الخزينة بحمقهم من واجبات المتعاملين في سوقهم وصفْقِهم
وليس من حقهم النفخ في التعويضات والأتعاب، واستغلال ما يحملونه من ألقاب للاستلاء على عقار أو سرداب والحصانة من شرطة الآداب، جل الموظفين ينتظرون بصبر ولابد، بلوغ سن التقاعد، إلا هذه الشرذمة، تود لو تخلد مستخدمة، وقد تلجأ إلى المحكمة، وتزعم أنها سِيمَتْ بمَظْلَمَة عندما ادعت شهادة ميلاد مقدمة، بينما هي ترفل في الشباب منعَّمة، ولن تشيب حتى يشيب الغراب فإن شاب فربما
الذي يرهق ميزانية الدولة ليست كتلة الأجور، بل كتلة قَشَاعِم النسور، وليست حمائم الموظفين المتقين للفجور، إنهم عقبان وصقور، لا، لا? إنهم غربان ونسور، لا يتعبون في اصطياد الطيور، بل يتعيّشون على الجيف بكل صفاقة وسفور
هذه قروح على جسم البلد وبُثُور هي التي أصباته بالضمور، ليست كتلة الأجور، ولكن العجلة تدور، لعلها يوما على الغادرين تدور