لم يعجب هذا الصحفي ما تشهده السياسة عندنا من انغلاق، ولا ما تعانيه أحزابنا من اختراق، ولا ما تعرفه رياضتنا من إخفاق، ولا المنتصرين والمعارضين لرجال صفاق.
كل ما أعجبه في المغرب روائحه، بيد أن إسم هذا الرجل أنخيل فلوريس ومعناه ملاك زهور، فهو فعلا فراشة عبرت المضيق لترتشف رحيق الزهور بعيدا عن السياسة وعن الأحزاب وعن الرياضة، نشر موضوعه في صحيفة La verdad يوم 2008/01/27.
باجتياز سيادتكم المضيق عن طريق البحر، عبر الجزيرة الخضراء، وبالخصوص إذا كانت الرياح غربية، فإن رائحة ملوحة الأطلس هي أول ما سيستقبله أنفك وأنت تطل من السفينة قرب جزيرة المعدنوس – نعم هي ذات النزاع إياه !- ستحضرك ذكريات أسطورية، لأنه حسب هوميروس، فالجزيرة كانت تسمى أوجيجيا Ogigia ، وفيها كانت تقطن كاليبسو Calipso بنت أطلنطيس، والتي التقت عقب غرق سفينة بعوليس UMISES ، وانتهى بهما الأمر إلى الزواج.
سيخلب عقلك وأنت تطأ أرض المغرب لفرط ما ينبعث من الروائح التي تفوح بها تشكيلة النباتات المزهرة.
في ضواحي العرائش، حيث تُموقِع الميتولوجيا حدائق هيسيريس، نجد شساعة لحقول البرتقال تضمخ الأرض بأريج زهرها، وكذا مشروب الشاي مع الحلويات التقليدية للبلد.
في صباحات شهر يناير تتدثر الأرض المغربية بما يفيض عليها من زهر النرجس بروائحه الذكية، وفي أواسط فبراير يهب شذى البنفسج الأزرق والمستحية (الميموزا) التي تبدو على شكل قنازع صفراء.
الغرنوق “Geranio” في هذا البلد يتشكل شجيرات، وسواء الأحمر منه أو الأبيض، فإنهما يملآن الهواء بعبقهما الأخاذ، لا يخلو محج في المغرب من خطوط حمراء رسمتها أزهار شجيرات الخبيزة وثمار برتقال بوغنفيلية، وبالخصوص في العرائش وفاس .
وحتى في المناطق غير المأهولة، نجد غابات من الأرز، تتسلل الشمس مصفَّاة من بين أوراقه الملتفة، كما في جبال الريف . والنخيل والصنوبر والسرو والتويا، وحقول غناء من البرتقال والليمون، تشحن الجو وتملأه عطراً، إنه طوفان الأزهار التي تنمو حيثما اتفق من قبيل السعتر والنعناع وغيره…
يوجد قرب الرباط منتزه النباتات العجيبة Jardin exotico ، والذي يعتبر وحيد زمانه في أفريقيا كلها وحتى أوروبا، جولة في رياضه بمثابة سفر “معبق ” حول العالم، فمع الروائح الآسرة لجوز الهند الأرجنتيني، نجد زيوف الفلفل، ومالا نهاية من الأصناف الغابوية، كما تتضوع المغنوليات magnolias والسحلبيات orquideas عطراً.
لابد في المغرب أن تميز بين رائحة المدن الحديثة ciudades والمدن العتيقة medinas…. فهذه الأخيرة هي النواة الأولى للإعمار العربي، محصنة بالكامل، ومن أسواقها يفوح طيب المسك، بيد أنه يوجد أيضا سوق مخصص حصريا لبيع البذور والزهور، إنه السوق البراني في طنجة، الذي يوجد عند باب فاس، الجبليات بقباعتهن الكبيرة وبتنانيرهن المخططة بالأحمر والأبيض، يقدمن لك في سلال العديد من بذور الأزهار الفواحة، والتي تصلح لتزيين الحدائق المغربية، ويقدمن أيضا ربطات نفيسة من الزهور التي يسري نشرها في الساحة بحالها، ولعل زهر الياسمين أكثر تميزا، ويباع بكثرة لأن له أهمية كبرى في حفلات الزواج.
وللأسواق روائحها الكلاسيكية، فمثلا، أسواق البلغة برائحة الجلود، . منذ عهد الموحدين . ، مازالت ترتق جلود الماعز المدبوغة بسيور، والمسلمون هم الذين حملوا هذه التقنية إلى قرطبة، وهذا النوع من الجلد يسمى بالقرطبي .
أتدري سيادتكم سبب تجريد البلغة من الكعب؟ ذلك حتى يسهل خلعها، وحتى لا تضر السجاد المفروشة في المنازل، وكذلك-وهذا أهم- حتى لا يتسرب وضيع الغبار من الشوارع والطرقات إلى الأماكن المقدسة.
في كل الأسواق تشم رائحة الحناء، ALHENA ، تؤخذ أوراقها فتدق أو تطحن ويعجن مسحوقها، ثم تطلى بها الأيادي وبواطن القدم، ورائحة الكحل أيضا… وهو مادة تستعمل التلوين العيون.
القسم العلوي من مدينة آسفي هو مكان الروائح الكيماوية المنبعثة من كروم الماغنيزيون، الذي يستعمل محلوله في ياتلوين الرائع للأواني الفخارية.
وفي القسم السفلي، تنتشر أبخرة حادة ذات حموضة من معامل تصبير السمك، والصويرة معرضة في فصل الشتاء دائماً للموج العاصف بفعل الرياح التجارية، لذا كان الهواء المستنشق هنالك، والقادم من البحر يفتح الشهية لرائحة فواكه البحر الطرية . ولكن عندما تدخل إلى المدينة العتيقة المحصنة بسور أنشأه الملك البرتغالي مانويل سنة 1506 وسميت موگادور تهاجمك رائحة نشر الخشب والطلاء المنتشرة من ورشات تطعيم الخشب.
وفي الجزر الأرجوانية PURPUREAS القريبة من شاطئ المدينة، كان الملك يوبا الثاني JUBA قد أنشأ مصانع إنتاج صباغة الأقمشة المستخرجة من رخويات البحر، يمكنك في أي سوق من أسواق المغرب أن تتلذذ باحتساء كأس رائع من الشاي بنعناع وفير وسكر كثير، يحصل أحيانا وأنت تنتعش برائحة النعناع، أن تداهمك روائح تشويط رأس الخروف. وشي سفافيد لحمه وأحشائه. ما أشد تباين هذه الروائح مع ذلك، فهذه النكهة الأخيرة هي المحببة لدى الجبليين.