أبو العيال هذه المرة مدرس جغرافيا، يعرج كل يوم على أحوال الطقس، فيصف أجواءه بأنها باردة على العموم، أو جافة على العموم ويستوقفه هذا العموم وكلما ذكره ولَّد لديه حساسية تجعله يعطس فلا يشتمه أحد لأنهم لا يعرفون ما العموم ؟ أو على الأصح من هذا العموم ؟
*****
ازددت في قرية من القرى البائسة، والصدفة وحدها ألحقتني بالفئة الدارسة، إذ كانت والدتي منظفة في المدرسة وحارسة، تغدو عليها باكراً وتروح بعد السادسة
أما أبي فمجتر ضليع بالهموم، اصطلحت عليه المواجع والسقوم، فالقرية مهمشة في التخوم، والجو إما بارد على العموم، يقتل الزوع والكروم، وإما حار كشخص محموم، ينتظر قدره المحتوم، وينشر الجفاف والحسوم، لكن ما يحز في النفس والجسوم، هو نعت أهل المدينة له بالعموم، في ظاهره تقريب معلوم، فهو عَمٌّ لهم هذا العموم ولكنه في الباطن لقب مذموم، فالبدوي المغفل هو العموم أما المدني فمعدن حضارة وبحر علوم
ولطالما تلبدت في سماء والدي الغيوم، وتبلَّدت فيه الأحاسيس والحلوم، كلما نودي عليه -قدحاً-بلقب العموم
لهذا أجد حساسية أيها الأحباء كلما أُجبرت على تلقين تلاميذي الأعزاء درساً نتناول فيه الأجواء فهي طُرّاً عندنا إما باردة على العموم قارة، وإما جافة حارة ضارة، ونادراً ما تكون عندنا ماطرة، فتتخذها الحكومة قاطرة، ومادامت الأعوام عجافاً بائرة، فلتثر لها على العموم ثائرة
وهكذا انتقمت الحكومات المتعاقبة، من العموم بإجراءات للحقوق سالبة، وابتدعت مصطلحات كالإكراهات الغالبة، والاستثمارات الهاربة، ولصوص أموال المغاربة، وفاتورة البترول كقوة ضاربة، والجراد بنوعيه يد سائبة، والأحزاب والجمعيات غائبة
أصبح هذا العموم مشبوها تكثر أخطاره، لذا وجب خطره وحصاره، ومضايقة كل ما يربطه به إصاره، مثل الإدارة العمومية والصحة العمومية، وللحديث بقية إن بقيت من العموم بقية