الفطري من يستطيع صقل موهبته بمجهود ذاتي مستغنيا عن المعلم أو المكون. والعصامي من يشرف بنفسه وعمله، لا بقومه وعشيرته.
إذا صح هذان التعريفان، فمن الفطري في بلدنا ومن العصامي؟
أليس الفطري ذلك الفنان التشكيلي الذي يبدأ يجمع الزهور والرياحين والرسم على طاولة القسم، وعلى جدران مراحيض المدرسة، ولم يدخل مدرسة الفنون الجميلة قط؟ أليس ذلك الموسيقار الذي تعلم العزف على آلة صنعها بنفسه من وعاء زيت أو قشرة سلحفاة، ولم يعرف “أضواء المدينة ” إلا بعد حذقه للعزف؟ أهو لاعب الكرة الذي نمَّى موهبته بممارسة هوايته في طرق السيارات، وأمام منازل الجيران بحذاء من البلاستيك، ولم يعرف الملعب المعشوشب إلا بعد اشتهاره؟أليس الفطري ذلك العداء الذي تمرَّس بالجري حافي القدمين في الأحراش والهضاب، قبل أن يتاح له دخول الملاعب والحلبات؟
والعداء الذي اعتمد على نفسه، وسافر إلى أوربا وتعهده أجانب، أما يعتبر عصاميا؟ والملاكم الذي برز في إسبانيا وأغري كثيرا من أجل التجنس ليحصل على بطولة أوربا لكنه آثر أن يصير بطل إفريقيا، وكان له ذلك . أليس عصاميا؟ وبطل العالم في رياضة لم تعرف في بلدنا إلا بعد فوزه، أما نحسبه عصاميا؟ وذلك الفنان أو الرياضي الذي يتحمل مصاريف رحلته للتكوين أو المنافسة؟ كلهم عصاميون.
هؤلاء الفطريون والعصاميون يرفعون راية المغرب خفاقة، ويحق لنا أن نفخر ونعتز بهم، ولا يجوز لأي متطفل أن يدعي أن له يداً في فوز هذا البطل أو اشتهار ذاك الفنان، الفضل كله لفطرتهم وعصاميتهم، أما من يتشدقون بحرصهم على كثافة التداريب، والتربصات والخرجات، وسباقات المدن وسهرات الأقاليم، وغيرها من التشجيعات، فهم عندي لا يختلفون عن حكاية كنا نقرأها في المدرسة، خلاصتها أن طفلا شجاعا خرج إلى الغابة، فقتل ثعبانا ورآه بعض أطفال القرية، فحملوا الثعبان الميت وطافوا به، مرددين “قتلنا الثعبان ! قتلنا الثعبان ! قتلنا الثعبان ! ولاذ الفتى الشجاع بالصمت.
وذات يوم خرج الأطفال إلى الغابة، فراعهم ثعبان حي، وولوا الأدبار طالبين النجدة من الطفل الشجاع، فعرف الناس حقيقة البطل. ، وعرفوا المخادعين الذين يستولون عرق غيرهم ويدعون لأنفسهم الانتصارات.