يسعد أبا العيال أن يتقدم بأحر التهاني إلى أم العيال بمناسبة يومها العالمي، فكلما حل ثامن من مارس تذكَّر العالم المرأة، وأفاضت وسائل الإعلام في معالجة وضعيتها، وأسهبت في وصف آمالها وآلامها، الحرية، الانعتاق، الكرامة، المساواة، فهذه كلها مطالب مشروعة، والاحتجاجات عليها ممنوعة، لأنها أقل ما يقدم للمرأة باعتبارها أما وزوجة وأختا وبنتا أو مواطنة تشكل جناحا من الجناحين اللذين يحتاجهما بلدنا من أجل الإقلاع نحو غد أفضل
لكن ما يغيظ أبا العيال في بعض ما يُكتب أو يُسمع هو إلصاق تهمة استغلال المرأة بالرجل، فهذا يتهم المجتمع بأنه مجتمع رجال، وذاك يعتبر أن للمرأة يوما واحدا وللرجل السنة بحالها، وثالث يطعن في مؤسسة الزواج، فلا فرق عنده بين الدعارة والزواج، إلا كالفرق بين كراء السيارة وشرائها، وخلاص المرأة في نظرهم يكمن في استقلالها عن الرجل اقتصاديا واجتماعيا
وهنا تشتد لهجة أبي العيال كعزيزِ قومٍ ذُلَّ أما يرى هؤلاء بأن في إدانة الرجل حيفا وبهتانا؟ أليست المرأة أحسن حالا منه، لأن لها يوما عالميا ولا يوم للرجل؟ فما الرجل إلا ريشة في دوامة الإكراهات، واتهامه لا يختلف عن اتهامنا لغريق تمسك بغريق، والأجدى أن نرمي لهما معاً طوق النجاة، فبدل المناقشة البيزنطية حول من الظالم ومن المظلوم، نتساءل عن السبل الكفيلة باستغلال طاقات مجتمعنا بجنسيه، إنهما معاً يشكوان من ازدواج في الشخصية مترتب عن تصارع الموروث مع المستحدث، فيعمدان إلى التلفيق والانتقاء والتصرف بمكر ودهاء، فالرجل يستشهد بالقرآن والحديث الرجال قوامون على النساءî ?النساء ناقصات عقلاً وديناًî ويجتهد في التفسير بما يخدم مصلحته، ويقف عند ويل للمصلين
والمرأة لا تألو عن البحث عما يضمن لها مستقبلا من هذا الرجل، بالتسلط والهيمنة إن أمكن، أو بالسحر والشعودة، أو استنزافه ماديا
وبعد كل هذا نجدهما يتبادلان التهم، أين الخلل إذن؟ من المتسبب في هذه الريبة؟
إننا جميعا مسؤولون، الإكراهات والضغوط والخصائص والتربية والتخلف، كل هذه تفرز هذا النوع من العلاقات المشبوهة بين الرجل والمرأة
لقد كانت الفتاة وحدها تشكو من مرض الانتظار، لكن العدوى انتقلت إلى الفتى الذي قد يبلغ الثلاثين ولما يطمئن على مستقبله، فلا ضمن شغلا ولا فتح بيتا، وتبقى للفتاة فرصتان وللفتى فرصة واحدة، الفتاة تنتظر الحصول على عمل، وتنتظر أيضا فارس أحلام قد يصل على فرس أبيض فينتشلها من وهدة الفقر، أما الولد فإنه ينتظر عملا، قد يأتي وقد لا يأتي، وقد يجيئه فارس أيضا، لكنه من فرسان رجال الأمن الذين يفضون تجمعات العاطلين
كلنا تحت طائلة الغبن الاجتماعي« لقد تحالف علينا التخلف والاستغلال والتبليد والاستلاب، لا فرق بين رجل وامرأة، فإن كانت المرأة مستغلة أو مضايقة في البيت أو الحقل أو المصنع، فالرجل أيضا مستغل ومضايق، العامل يطرد من معمله، والفلاح مضايق من الجفاف والقرض الفلاحي والتاجر يشكو من غول الضرائب ومنافسة المتاجر الكبرى
ليس في القنافذ أملس، الكل يكتوي بنار الظلم الاجتماعي، المفروض علينا من جراء التخلف، ولن نتخلص من همومنا إلا في ذلك اليوم الذي يعم فيه الوعي، وعندها سيعرف الرجل والمرأة أن النقص العقلي في الحديث الشريف معناه التسرع العاطفي الذي يجعل المرأة تذرف الدموع بسهولة، وتعطف على صغيرها أكثر من الرجل، وأنه لا فرق في الذكاء بين الجنسين ويفسر القوامة في القرآن الكريم بأنها الإشراف الديمقراطي القائم على تقبل الرأي الصائب من الطرفين
ليس الرجل ضد المرأة كما يزعم البعض، وليس الإسلام ضدها كما يرى آخرون، ولكنه التخلف الذي سارت به الركبان
وبهذه المناسبة العالمية، نستحضر أمجاداً صنعتها المرأة عند ظهور الدعوة الإسلامية، فمعلوم أن أول من آمن بالرسالة الجديدة امرأة هي السيدة خديجة، وأول شهيدة في في الإسلام امرأة هي السيدة سمية أم عمار، لقد كان وعي المرأة المسلمة مبكرا، حبذا لو حافظت عليه وعلى كل حال فكل ثامن مارس وأنتن بخير، وأنتم
ادريس اعفارة