عاش أبو العيال في أيام العيد تجربتين مختلفتين، لكن ما يجمع بينهما أكثر مما يفرقهما، فما أن انتهت معاناته مع الأولى حتى وجد نفسه في أتون الثانية، وكان بحق كالمستجير من الرمضاء بالنار
*****
جرت العادة عندك أبا العيال أن تستدعي جزاراً يوم النحر، فيعالج الجزور سلخاً، وتنفخه بخمسين درهماً، لكنه لم يقنع هذه المرة، وبعد مماكسة، قبل سبعين على مضض، ما أصعب هذه الشريحة؟? بَيْدَ أنه جزار? وما سمي جزاراً إلا لأنه كذلك، لا عليك أبا العيال، فهذه سنة الأضحية، وهي في الأصل تضحية، ولعلك أقمت السنة حتى ببدعة كراء من يذبح، إنك ضحيت بسبعين درهما، خمسين عن طيب خاطر وعشرين مرغما، وتستمر تضحيتك بأن تصدَّقت بثلث خروفك، أما من حيث الوزن، فقد تجاوزت الثلث، جلد الخروف لوحده ثلث، والأَكْرُع والرئة وبعض الأحشاء، والشحوم، وكل ما لا ترغب في أكله، تبرعت به على المحتاجين
أنت إذن سخي تقي، ومذخرك من الكبش نقي، تصدقت بنصفه وزناً، وتخلصت مما ضَؤُل شأناً، ثم تمكنت من إغلاق الباب حق تمكين، وقلت لن يدخلها علينا اليوم مسكين، وأخذت المشواة والسكين، وتركت بناتك يفخرن ويحكين، لكن الأمور تغيرت في الحين، سقط أيمن أصغر البنين، وكُسرت أصبعه وسُمع له أنين
يبدو أن صدقتك محض حيلة ورياء، لذا لم تحفظك من شر البلاء، وها أنت تتعشى مرتين كشأن البخلاء
نحن في اليوم الثالث من العيد، وقسم المستعجلات ليس ببعيد، لكنك آثرت الاختصاصي يا عنيد
الطبيب لم تَمَلَّ انتظاره، وسددت له مئتي درهم أتعاب استشارة، ومائة وخمسين ضمن أشعة التقطها بصوَّارة، وكل هذا من حقه في حكم الإجارة، ولكنك غضبت وقلت يا للخسارة عندما طلب ثلاثمائة بكل حقارة، مقابل ما أسماه جبيرة جبَّارة، زاعماً أنها تقنية جديدة ومهارة، وهي في واقع الأمر شريط ملصق يحمل عبارة، ولكنها تضارع ثمن الصورة، مع الزيارة، أين أنت من أتعاب السلخ والجزارة الصفية للطبيب وللجزارة أعشاره
تدفع سبعمائة وخمسين دون دواء ولا جبيرة، ويسخر منك واضع اللفافة بلا جبيرة، بأن عظام الأطفال غضاريف صغيرة، تعالج تلقائيا حتى بدون جبيرة وعندما تسأله لِمَ إذن هذه الذعيرة؟ يجيبك أنه من باب حيطة العين الخبيرة ربط الأصبعين بخرقة مريرة، وهذا والله عذر أقبح من زلة وجريرة
كان جيبه دافئا بألف درهم ياعشيرة؟ ليكمل بها أيام الشهر الأخيرة، فطاف عليها طائف في عز الظهيرة ولم تلاحقه شرطة القرب ولا الخفيرة، أين المحتسب أين أصحاب التسعيرة؟ أين الحكومة بثلاثين وزيراً ووزيرة؟ لمن يشكو أبو العيال ويرفع العقيرة؟
كنت أخال أنه من باب نشر وسخ الغسيل، الكتابة عن العلاج بالطب البديل، وبالأعشاب والزيوت والزنجبيل، ومن بنت وردان جناح ومن الفأر ذيل، والآن أعذرهم جميعاً وإلى علاجهم أميل، فلما عرفت السبب بطل العجب يا خليل، وكان الله في عون من جرحه ينزف ويسيل، إذا نقصت دراهمه عن الألف بقليل، فالعيادات تفحص الجيب قبل العليل، والجزار مهما قسا أبقى مديناً له بمعروف وجميل
ولكن الحمد لله السبب بيد الله والمرض بيد الله والصحة بيد الله هذا قدر الله، ونعم بالله