خَلاَ لَكَ الجو أبا العيال فصُلت وجُلت وتطاوست واستأسدت واستنسرت، ولا جرم فإن البِغاث في أرضنا يستنسر، ولا تذكرني في بطولاتك إلا مرة واحدة عندما نشرت غسيلنا الفاضح حول امتلاكنا لشقة، وما كابدنا بسببها من مشقة، وزعمت واهماً أنك عانيت، حتى يتبادر إلى ذهن القارئ أنك نسيج وحده، والحقيقة غير ذلك فأنت لم تحرم من الجلوس في المقاهي وغيره من الملاهي، وفي حين أضربت أنا أم العيال عن تغيير الجلباب وزيارة والأحباب
سأعرض قصتي معك على القراء ليحكموا بعدالة قضيتي أو الافتراء ازددت ياسادة في قرية من المغرب المُقصى، والصدفة وحدها جعلت والدي يُحصى، ويُرسل إلى وسط أوربا وأقصى
كنت قد حاربت الأمية في مدرسة القرية، قبل تجمُّعنا العائلي في الديار الفلاندرية حيث يعمل السيد الوالد في مزرعة للزهور، ويخرج من البكور، ولا يعود إلا عند السحور، تعلمت لغة العجم، وتخلصت من العمى والصمم، وكان بودي أن أذهب بعيدا وأحصل من العلم مزيداً، لكن عبثاً، لقد فطن الأهل إلى تجاوزي للخطوط الحمراء، وعند رجوعنا إلى أرض الأجداد والآباء، في عطلة صيفية رمضاء، وأنا طفلة في الخامسة عشرة حسناء زوجُّوني قسراً بأبي العيال ابن عمي، وتركوني أجتر خيبتي وهمي
رافقت زوجي أبا العيال، إلى مقر عمله كمعلم في قرون الجبال، وقبلت الأمر الواقع، في استسلام وخوف رادع، أنجبت له البنين والبنات، وطالعت كتباً ومجلات، وحررت خواطر وذكريات، تزري ما يكتبه أبو العيال من مقالات
انتقلنا إلى مدينة كبيرة، وقررت بعد كل ظهيرة، أن أتعلم الخياطة والضفيرة، وعندها فقط كسرت القاعدة، التي تبقي المرأة في البيت قاعدة
خرجت من الظلام الحالك، وخبرت طرقات ومسالك، وبدأت بالتعرف على المجتمع الواسع، ومافي رؤوس النساء من مواجع، وشرعت في تناول الحقوق، دون عصيان أوعقوق، وتنازل أبو العيال-مكرها- عن الانفراد باتخاذ القرار، وصرنا نطبق ما ينتهي إليه الحوار
شجعت أبا العيال على الدراسة، فاقحتم دروبها بحماسة، وانخرط في ميادين السياسة، وحصل على الإجازة بكياسة وبعد طول معاناة، فتح مكتبا للمحاماة، وهاهو الآن أستاذ محترم، ينتصر للمظلوم ممن ظلم، ويتحذلق باللسان والقلم
وأنا المسكينة، نكرة في المدينة، أعمل جادة في الخفاء، وأوثر مناطق الظل في الوراء، وأهيء لأبي العيال الهدوء والثراء