نشرت جريدة GRANADDIGITAL.COM مقالا لتوماس نا?ارو في ركن “موضوع الرأي المتخصص” يوم 2007/04/08 تحت عنوان:
الغرب المتعجرف وحنق المغرب العربي
الإسلام السياسي في شمال إفريقيا يقصي مفهوم الدولة الوطنية، ويتوق إلى إعلان “خلافة جديدة في المستقبل” من أجل عولمة الفضاء المغاربي من طنجة إلى شبه جزيرة سيناء.
ينتشر المد الإسلامي ويأخذ بسرعة مواقع على طول وعرض فضاء شمال إفريقيا.
شهد المغرب سنة 2006 محاولة انقلاب، أجهضت في الحين، ومعها بدأ الكثير من القمع وتحصين النظام الذي آل إلى الملك محمد السادس بعد وفاة والده المرحوم الحسن الثاني.
في تونس، يمارس الرئيس بنعلي ديكتاتورية مسكوت عنها، تتولى المصالح الغربية حمايتها وتغذيتها.
الجزائر مستمرة في جلد نفسها منذ حملة القمع العنيف الذي مارسه الجيش الوطني ضد الإسلاميين الذين فازوا في انتخابات 1992.
ليبيا التي تنعم برضى الغرب منذ أن تعاهد زعيمها معمر القذافي مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مازال يطارد بوحشية عناصر الإسلاميين كلما ارتابوا في نظامه.
أما مصر الدولة الأكثر استفادة اقتصاديا من الولايات المتحدة بعد إسرائيل، فإنها وجدت نفسها بين سندان الحزب الحاكم وزبانيته، ومطرقة الجماعات السياسية الدينية من قبيل الإخوان المسلمين الذين ينتقدون نظام الرئيس حسني مبارك .
نجد في غرب المتوسط إسبانيا أولا وإيطاليا بنسبة أقل، وجها لوجه مع الدول المغاربية وما قد يعترضها من مخاطر . وسواء في مدريد أو روما، وحتى في باريس، فإن مستشاريهم ووزراء الخارجية والداخلية أيضا كلهم قلقون من الأنباء الواردة من شمال إفريقيا .
إن افتقار كل من المغرب وتونس والجزائر وليبيا ومصر إلى جمعيات مدنية واجتماعية كفيلة بإشاعة مفهوم التعايش الديمقراطي الذي يحترم الاختلاف والواقع الوطني لهذه الدولة . يتسبب هذا الافتقار في التذرع بـ “الإرهاب الدولي ” لإجهاض كل محاولة انفتاح سياسي أو شفافية، ويبقى الأمر على ما هو عليه.
بعد أحداث 11 شتنبر ازداد النفق ضيقا بدءا من المغرب وتونس، وبعدهما ليبيا والجزائر، ولم تشذ مصر عن هذه القاعدة.
وجد الزعماء المغاربيون أنفسهم عاجزين عن إيجاد البديل لمواجهة الضغط الناجع الذي يمارسه الخطاب الإسلامي الكوني، والذي يتميز بالعصرنة والتضامن في أعماله الاجتماعية والإشهارية . وقادر على ملاحقة ومحاربة الأنظمة التي ولدت مع الثورة ضد المستعمر في النصف الثاني من القرن العشرين.
إن فشل الوحدة العربية وجامعتها في المغرب كما في بقية الأقطار المغاربية، ترك الباب مفتوحا للحركات الإسلاموية النشيطة، والتي تعولم الإسلام ولا تفصل بين هذه الدول بحدود على الخريطة.
بالنسبة لهذه النماذج الجديدة للإسلاميين، بدءا من تنظيم القاعدة ومرورا بالسلفيين المغاربيين، ووصولا إلى الراديكاليين القرآنيين من الإخوان المسلمين، فإن هذه الدول (الحكومات ) انتهت صلاحيتها …
وينبغي التشهير بها جراء ما اقترفته في حق المنطقة من أضرار (البطالة المكثفة، اللامساواة بين البادية والمدينة، أمراض إتنية وقبلية مزمنة، مواليد غير متحكم في ازديادهم، الأمية… إلخ).
إنها قنبلة موقوتة يمكن أن يقضي على كل هذه الأنظمة إن هي استغلت من طرف حركة إسلامية ذات تمثيل وازن . وتحل محلها دولة موحدة تحت راية سياسية دينية، وهذا ليس جديدا ولا غريبا في التاريخ الإسلامي لشمال إفريقيا .
إن فشل الغرب (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ) في تشجيع المجتمعات على التطور المستمر، وجعلها ملائمة للعصر، ونقلها من التخلف القروسطوي إلى ما بعد الحداثة، وفشل الغرب أيضا في حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، والإسرائيلي السوري، والإسرائيلي الإيراني، لافتقار الولايات المتحدة للإرادة التامة على التحكم في هذا النزاع الخطير في الشرق الأوسط وإيجاد حلول ناجعة تجعل المعنيين جميعهم يساهمون في القضاء على الأزمة.
إن سياسة اللاتعاون واللاحوار التي تنهجها واشنطن ولندن وتل أبيب في مواجهة الحركات الإسلامية المتطرفة، أو التي هي في طريق التطرف كحركة العدل والإحساس في المغرب، نقلت الأنظمة المغاربية هذه السياسة حرفيا، ووقفت عاجزة عن تطويق هذا الخطر الداهم، وتفرقت شيعا حول قضية الشعب الصحراوي، والخطر وشيك الحدوث، وها هو الغرب يقف شعره وترتعد منه الفرائص.
والآن، وفي ظل سياسة الانتقاد التي ينهجها الاتحاد الأوروبي، نجد ضغوطا لينة ترافقها منافع عميمة وتواطؤ على الجريمة دون الاعتراف بها، كما حدث في الاختطافات الجويهة لمتهمين بالإرهاب من طرف المخابرات الأمريكية CIA بمشاركة هذه الدول (التي يصدر التهديد إليها ومنها). وهنا فطنت باريس ولندن ومدريد وروما وغيرها لفداحة ما قدمت أيديها خلال عقود الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.
كان يومها زعماء مغاربيون معجبين بالغرب من قامة بن بلة وبنبركة اللذين أزيحا برغم توفرهما على رصيد سياسي واجتماعي داعم يمكنهما من ربط مصالح وتطلعات المغرب العربي بالغرب … جمال عبد الناصر في مصر، والقذافي في ليبيا وحدهما اللذان توجها نحو الغرب، لكن غباء المثقفين الأوروبيين وقصور سياسييهم ونخبهم في ذلك الحين حال دون هذا التعاون سواء في المغرب أو في تونس أو الجزائر . هذا الغياب، وهذا الفراغ مُلِء بحركات إسلامية إرهابية متعددة، قد شرعوا في الانضمام إلى بعضهم يجمعهم هدف واحد : خلافة جديدة .
العجرفة الغربية الآن تواجه حنق ما كان سابقا إهمالا، وها هو اليوم إسلام بلا حدود، إرهاصاته بادية للعيان. هنا تواجه روما كما مدريد وقبلهما باريس هذه المعضلة، فحق لهم لأسباب عديدة أن يقلقوا.