أنجز إغناثيو سمبريرو I.Cembrero استطلاعا على طول الحدود الفاصلة بين المغرب والجزائر، ونشره في جريدته Elpais يوم 2008/5/25 وأرفقه بصور لمنطقة وأهلها، هذا تعريبه:
الحدود الجريحة جرح بطول 1.500 كيلومتر
يعلق إدريس هبري المسؤول المغربي عن قرية أغبال :”والدتي جزائرية من ندرومة ” وهي مدينة من 35.000 نسمة، على بعد 40 كيلومتراً من قرية أغبال في شرق المغرب، “لها أخوات في ندرومة، ولكن، أتعرف منذ متى لم تزرهما؟ ” يواصل بنبرة غاضبة “منذ 14 سنة، منذ أن أُغلقت الحدود بين المغرب والجزائر ” ويتذكر هبري الذي يحترف الزراعة ويحمل الجنسية المغربية ” آخر مرة رأينا فيها أخوالي كانت في فرنسا، إن مات أحدهما اليوم – إنهما متقدمان في السن – فعلى أمي العجوز أن تطير من وجدة إلى الدار البيضاء، ومن هناك إلى وهران، لكي تأخذ بعدئد الطريق البري إلى ندرومة، في المجموع ستكون قد قطعت بين الذهاب والإياب 2.800 كيلومتر بدل ثمانين كلمترا، وبعد كل هذا التعب البدني والعبء الاقتصادي، من المحتمل أن تصل متأخرة عن موعد الدفن.”
هبري رجل خمسيني طيب القلب، فيه تختصر جملة المشاكل التي يعاني منها عشرات الآلاف من العوائل المغربية والجزائرية التي تفصله أراضي لا يمكنه الوصول إليها، يقول متألماً :” وأكثر من هذا، فحتى عندما أعمل في مزرعتي المغربية المتاخمة للجزائر، ينبعث أحيانا جندي جزائري يأمرني بالابتعاد.”.
على بعد 180 كيلومتر من ألمريا تبدأ أطول حدود في العالم شبه مغلقة بإحكام منذ 1994 ، بين الكوريتين اللتين توجدان نظريا في حالة حرب، تعبر بينهما اليوم قطارات البضائع، فقط توجد منطقتان حدوديتان يمنع اجتيازهما، وهما اللتان تفصلان بين أرمينيا وتركيا، وبين هذه الأخيرة وأدربجان، كهذه التي تفصل المغرب عن الجزائر.
منذ أن تمتع هذا البلد بالاستقلال سنة 1962 وجدنا المنطقة الحدودية له مع المغرب مغلقة أكثر منها مفتوحة، ولكن الإغلاق الذي تقرر قبل 14 سنة يعتبر الأطول من نوعه في التاريخ، بدأ الإغلاق في غشت 1994 ، على أثر عملية إرهابية في فندق أسني بمراكش، اقترفها ثلاثة شبان جزائريين مقيمين في فرنسا، وقُتل فيها سائحان إسبانيان.
كان رد فعل إدريس البصري وزير الداخلية والذراع الأيمن للحسن الثاني أن فرض التأشيرة على الجزائريين الذين يودون السفر إلى المغرب، أما الجزائر فلم تقتصر على المعاملة بالمثل ولكنها قررت إغلاق الحدود .كذا إنهار الاقتصاد المغربي في وجدة التي كان يزورها سنوياً ما يناهز مليونين من الجزائريين المستعدين لاقتناء أي شيء ينقصهم في بلدهم الأصلي، والذي كان عهدئد موسوما بخصاص الأنظمة الاشتراكية.
تقدمت هذه الصحيفة ElPAIS في فبراير للسلطات الجزائرية والمغربية بطلب الترخيص لها بارتياد الخط الحدودي الغريب والمقفل رسميا، ولكن يتسلل منه المهاجرون اللاشرعيون والمهربون، وبعض المحليين الذين يجازفون بالعبور من أجل زيارة أهاليهم .
كان رد السلطات الجزائرية الصمت، أما المغربية فقد قبلت المقترح بعد تردد دام شهرين، وهذه أول مرة يرخص بزيارة المنطقة.
حضّر وزير الداخلية المغربي برنامجاً كونه في خطوطه العريضة، من ملتمس هذا المراسل، دأب موظفو وزارة الداخلية خلال خمسة أيام يطوفون رفقة الصحافيين في المدن والقرى والمداشر الواقعة على خط الحدود . كان حضورهم ضروريا لأن دخول بعض الأماكن يتطلب ترخيصا، والمدى غير محدود بالتدقيق، وقد يقع – سهوا- التوغل في الأماكن المحظورة.
اقترنت الجولة برفقة “مرشدين ” من الداخلية مع اجتماعات بممثلين عن المجتمع المدني، بصمات الكارثة الاقتصادية جراء الإغلاق بادية للعيان في ضواحي وجدة ومدينة أحفير بمؤسساتها الفندقية غير المنتظمة ولوحاها الإشهارية المكسرة ومقاهيها المقفلة حيث تتجول في شرفاتها المقفرة قطط شديدة الهزال، لكن السيد محمد إبراهيمي الوالي على وجدة، يؤكد مرتاحا :”إنها آثار الماضي، يبدو أن الجهة لم تعد مرتبطة اقتصاديا بالجزائر، لقد بدأت تجد محركات أخرى لتنميتها بدءاً بالسياحة “.
أما مركز “زوج بغال” على بعد 14 كلم من وجدة، فهو أشد معاناة من الهجر والخراب، لقد كان مركزاً رئيسياً لعبور الحدود بين البلدين، كان يعبره يوميا آلاف الأشخاص ومئات الشاحنات.
مازال رجال الشرطة والجمارك في أماكنهم هناك، يحتمون من الشمس داخل مكاتبهم المضعضعة، وعلى الطريق تتناثر حواجر وبراميل مملوءة بالرمل، من شأنها أن تعيق المرور، الكلاب الضالة وحدها تتسكع هناك.
ويتدخل يحيى زروقي، الكوميسير المكلف بمركز الشرطة الشبحي هذا :”برغم كل هذا، فلست في عطالة، لكل يوم عمله ” ويضيف “من هنا تعاد الماشية التي تتسلل من البلد الجار، وبين حين وآخر جثة ” ، “و ” يلقيها بصيغة عجائبية “بلغ الأمر أننا أشّرنا على جواز سفر لإحدى الشخصيات المرخص لها استثنائيا بالعبور” يعني الشيخ زايد ثري الإمارات العربية المتحدة الذي ظل إلى أن وافته المنية في 2004 مولعاً بالصيد في البلدين معاًًً”.
– كيف تنادون نظراءكم الجزائريين عندما يقتضي الأمر الاتصال بهم؟
– نلجأ إلى الصفير فينتبه الواحد إلى الآخر ونلتقي عند الحاجز.
على بعد ثلاثين متراً يتقدم شرطي جزائري، أمام أعيننا بخطوات واسعة متوجها صوب الحاجز، لم يُصَفِّر بل صرخ بأعلى صوت ملحاً على ضرورة توقف مصور ELPAIS عن تصوير كشكه.
ويردد رجال الشرطة والجمارك المغاربة بنغمة واحدة “من الأفضل أن يتغير الهدف، لا حاجة لنا في إزعاجهم ” كرروا هذا على طول المسار الحدودي كلما سنحت الفرصة بتصوير رجل جزائري بالزي الرسمي، أو تلك الأكوام من الإسمنت الأبيض التي يتخذها الجيش الوطني الشعبي الجزائري كمراكز مراقبة، ويركز المغاربة على وجوب ” تلافي استفزازات الجار”.
صادفنا مراراً على مدى البصر مراكز عسكرية جزائرية متناثرة، كثير منها في طور البناء، تبعد عن بعضها بحوالي ثلاثة كيلومترات، تتخللها مضارب خيام، التحصينات المغربية بدورها لا تقل عدداً عن مقابلاتها، ولكنها أصغر حجما وقد أضفى عليها لونها الأمغر انسجاما مع المنظر العام.
كلما توغلنا جنوبا، إلا وازداد تحجر الأرض وقلت المخيمات، وفي أقصى الجنوب في الصحراء حيث قاعدة تندوف، نجد تمركز معظم القوتين المسلحتين للمغرب والجزائر، هناك في الصحراء كل جيش يراقب الآخر، أما في الشمال فإنهما يعيشان جنباً إلى جنب إلى حد أنهما أحيانا يتعثران في بعضهما.
في أنكاد على بعد 25 كيلومتراً شمال وجدة يمتد طريقان متوازيان لمسافة عشرات الكيلومترات، الغربي منهما مغربي والشرقي جزائري . تكاد دوريات الجيشين تحتك عند التقائهما في تقاطع، الطريق المغربي أحسن حالا من نظيره الجزائري لذا تغير السيارات الجزائرية المغربية ذات الدفع الرباعي عندما يعتقد أصحابها أنهم غير مراقبين.
وبالتقدم أكثر يلتقي الطريقان ويتحولان إلى واحد يخترق ويقسم قرية ذات منازل متكاثفة ويقطنها 120 ساكن، على اليسار يعيش شراكة CHRAGA من المغرب، وعلى اليمين يسكن دراگدة DRAGDA من الجزائر، ويعلق ضابط من الدرك المغربي “عندما يتفق وتلتقي الدروية المغربية بالجزائرية في هذا الممر الذي يعتبر خطاً حدوديا فلا بد لإحداهما من التقهقر لتفسح المجال للآخرى”.
وصول أجانب مزودين بآلات التصوير جعل الجيش الجزائري يتعبأ، وسيارة ذات الدفع الرباعي من نوع تويوتا وعلى متنها عسكريان تعبر بسرعة منحدرة نحو الشِّعب المشتركة وتقف في مواجهة الأغراب . وفجأة يتغبر النظام في المدشر، وإذا بالأطفال المغاربة الذين كانوا حتى تلك اللحظة يلعبون في مرتع جزائري ينسحبون إلى بلدهم ويستندون إلى جدار، ومن خيمة عسكرية ينبعث ثلاثة جنود مغاربة ويقفون وجهاً لوجه مع الجزائرين، وينظر كل منهم إلى الآخر دون أن يبنسوا ببنت شفة.
– أتجري أحيانا أحداث مسلحة مع الجزائريين؟ يجيب الدركي نفسه بشكل قاطع : “لم تحدث مواجهة مع الدركيين قط، إنهم ذو خبرة مثلنا ” ويضيف :”ولكن الأمر المختلف مع المجندين في الجيش . فتيان يفتقرون إلى التجربة، والذين يضغطون بسهولة على الزناد لقتل الوقت مطلقين النار على قط أو كلب، أو من أجل إخافة المهربين، ولا يملكون القدرة على دقة التصويب دائماً”.
تبقى – لمدة وجيزة – شراگة المغربية، أو الدراگدة الجزائرية قرية مقسمة، ولكن بمجرد أن يولي أصحاب الزي الرسمي ظهورهم يسترد أهلها وحدتهم، يؤكد المعلم عبد الرحمان الصالحي :” يعيش الناس هنا كأنه لا وجود للحدود، إنهم يحيون حياة مشتركة “.
تعتبر هذه القرية مثالا للتساهل، لأنه وعلى امتداد الخط الحدودي، كل من اخترقه -عمداً أو سهواً- عليه أن يتجشم البقاء في السجن لمدة أسابيع…
… لا يشبع المسؤول البلدي من ترديد حكايات عن الشبان الذين كانوا يلتقطون “الترفاس ” أو يرعون ماشيتهم، وهم يتابعون قطيعهم “انتهوا في الجانب الآخر ” ويقول جازما ” “عندما تهب عاصفة رملية يصير عندنا في حكم المؤكد ضياع أحد الجيران “.
ماذا يحصل عندما يلقي الجزائريون القبض عليهم؟
يشرح نور الدين بوبكري مسؤول وزارة الداخلية على واحة فكيگ :”يعتقلونهم وينقلونه إلى بشار “مدينة يقطنها 250.000 نسمة، في الجنوب الشرقي للجزائر ) ، وفي ظرف شهر أو 40 يوماً تعقد جلسة محاكمة، ويصدر الحكم بالحبس شهراً جراء الدخول اللاشرعي ولا يقضون مدة العقوبة لأنهم يطردون من البلد” ، ويتبع المغاربة المسطرة نفسها عند اعتقالهم للجزائريين.
اتفق الملك الحسن الثاني والرئيس هواري بومدين في إفران سنة 1972 على رسم حدود واضحة، بيد أنها تفتقر إلى التشوير بالعلامات واللافتات، باستثناء مائة كيلو متر حنوب مدينة وجدة، يبقى الحد الفاصل جزافياً، يقول الطيب الفاسي الفهري الوزير المغربي للشؤون الخارجية :”من أجل وضع علامات مشتركة للتشوير ينبغي أن يلتقي إثنان، ونحن لم نجد بعد شريكاً مستعدا لهذا ” ، ويشرح موظف في الداخلية :” الخط الحدودي جنوب مدينة وجدة يبقى أمر اتفاق بين السكان المحليين والجيش، يقولون إنه يمر من قُنَّة هذه الهضبة ومن قاع هذا الجدول الجاف “.
ويشكو عبد الكريم الحرمة الذي ينشط جمعية في العش AIICH:”المشكل أن الجزائريين قاموا بمبادرة أحادية الجانب فزحزحوا الحدود، الآن لم يعد في إمكاننا زيارة وَلِيِّنا سيدي بوعزة لأنهم قرروا أنه يقع فوق ترابهم “.
ويؤكد محمد جعفر مقدم قرية زاوية الحجوي، أنه عانى بجسده في التنقل عبر الحدود :”كان أهل القرية يعيشون من منجم ملح، يستغلونه تقليدياً، وذات يوم تقدم جنود جزائريون وأوضحوا أن المنجم في حالة Mo man’s land محظور على الطرفين معاَ ويستأنف مسترجعاً : “لقد اعتقلوني عندما وجدوني أحفر بفأسي في المنجم، وعشت على الخبز والماء إلى أن نقلوني إلى بشار حيث برأ القاضي ساحتي، بعد أن قضيت أربعين يوما في الحبس الاحتياطي”.
وهكذا حُرمت زاوية الحجوي من منجمها . أما فكيگ، أقرب واحة إلى جنوب أوربا يقول عنها عمر السعدي رئيس جمعية محلية غير حكومية، يقول متأسفا :” لقد حرمت من 350.000 نخلة، جل بساتينها من النخيل : ويستأنف معلقاً ” ، وهذا ما يفسر في جانب منه كيف أنه لم يبق في الواحة اليوم سوى 12.000 شخص، بينما كان عددهم في العدد الماضي 17.000 ، لقد هاجر الشبان منهم أولاً إلى فرنسا، وحديثا إلى إسبانيا، ومن له أقارب في الجانب الآخر فإنهم يتولون العناية بنخيله، ولكن الغالبية العظمى تقف عاجزة عن تلافي الضياع ” ، ويتذكرالسعدي : “تصور أنه حتى إلى عهد قريب، كان سكان فكيك يأخذون القطار الجزائري من بني ونيف على بعد سبعة كيلومترات من مدينتنا”.
إن استحضار الماضي يدفع بالمتقدمين في السن من السكان إلى تذكر تلك الأيام الهنيئة التي لم تكن عملياً فيها حدود، خطوط السيارات تربط البلدين، وكذا القطار الرابط بين الدارالبيضاء والجزائر عبر وجدة، لم تكن القبائل الرحل تدري ما الحدود، والأسر تتبادل الزيارات تحت أي ذريعة.
منذ زمان، وحتى قبل إغلاق الحدود سنة 1994 ، استحدثت عراقيل حدودية فحسب السعدي :”بدأت في أواسط السبعينيات متزامنة مع نزاع الصحراء ” التي سلمتها إسبانيا إلى المغرب وموريتانيا، ويوجز السعدي : “في البداية كان من أجل الدخول إلى الجزائر يكفي إذن المرور، وبعد ذلك ألحوا على ضرورة التوفر على حفنة من النقود بالفرنك الفرنسي، وبعدئد اشترطوا التوفر على جواز السفر”.
وفي النهاية تم الإغلاق ومع الإغلاق يقول خالد الزروالي المكلف بمراقبة الحدود من طرف وزارة الداخلية في الرباط :”أعطيت دفعة للعبور اللاقانوني ” حجته في ذلك تتلاءم مع التقرير الذي نشره البنك العالمي حول المغرب سنة 2006 ، الذي يؤكد فيه “أن الإغلاق لا يقلص المبادرات التجارية الشرعية إلى حدها الأدنى فحسب، بل يسهم أيضا في تطور الأنشطة الإجرامية”.
أما الذي يشغل بال سمير حرمة الله رئيس الجمارك في وجدة، فهو أمر هذه السيارات الانتحارية (المقاتلات ) ، يقول تحديداً :”إنها سيارات أعيد تشكيلها من أجل نقل ما يناهز 1.500 لتر من المواد الملتهبة، وتتحرك والكفن على الكتف في الطرقات بين البلدين ” ، هذه المهنة تستحق التضحية إذا علمنا أن لتر البنزين الجزائري باعتبار الجزائر من كبار منتجي المحروقات لا يتعدى 0,45 أورو، أقل من نصف ثمنه في المغرب، ومن الجانب الجزائري، فقد صادر رجال الدرك لسنة 2007 ما مجموعه 800.000 لتر من البنزين الذي كان في طريقه إلى السوق المغربية .
يقدم حرمة الله – وكله ارتياح- إلى الصحافي محجزه للسيارات “المقاتلة” والتي تم توقيفها، وكثير منها تحمل لوحة ترقيم مدينة مليلية المجاورة.
ويعلن الوالي الإبراهيمي بوجه أكثر إشراقاً :”لقد تولد عن ضغط الشرطة خطر يهدد العموم، فتخزين آلاف اللترات من البنزين في المرائب يعتبر قنبلة موقوتة، وحتى إلى وقت قريب ، كانت المحاجز منتشرة داخل كل التجمعات السكنية ولكن الآن فككناها “.
مازال البنزين الجزائري يتسرب، وغالباً في أوعية على أرصفة الطرق الثانوية المؤدية إلى وجدة حيث تقل محطات التوزيع المرخص لها.
في وجدة التي يزيد عدد ساكنتها عن 400.000 نسمة تقل المنتوجات الجزائرية من قبيل حليب “لحظة ” ويوگور “جرجرة ” ويبرر الإبراهيمي هذه الظاهرة بأن “فتح المتجر الكبير “مرجان ” في دجنبر الماضي، وجّه ضربة قاسية للتهريب “.
ولكن أكثر ما يُشعر الوالي بالاعتزاز هو تراجع الهجرة السرية القادمة من الجزائر “هم، الجزائريون، يقومون بمجهود كبير، ونحن نواصل يقظتنا، والسياج الذي أعددناه حول مليلية قلص من انجذاب مهاجري بلاد جنوب الصحراء ” ، النتيجة أن موجة الاقتحام تقلصت بنسبة 70 ? تقريبا مقارنة مع سنة 2005 ، المحاولات المكثفة لاختراق حاجز مليلية.
الفشل الوحيد الذي صادف المعركة ضد التهريب يتمثل في تسلل المواد المهلوسة، فقد صادررجال الجمارك ما مجموعه 94.000 حبة سنة 2007 ، يقول خالد الزروالي متأسفا: “إنه رقم قياسي”!
وكذلك نجد الجزائر تدين على لسان وزير داخليتها يزيد زرهوني ظهور شكل جديد ومرعب من التهريب بين الحدود، ويتمثل في أعضاء الأطفال، أكد الزرهوني يوم 15 يناير في البرلمان أن الدرك الوطني اعتقل مغربياً منتميا إلى شبكة تتكون من جزائري واحد وستة جنوب صحراويين متخصصة في اختطاف الأطفال في شرق الجزائر من أجل نقلهم إلى وجدة، وهناك يباعون بمبلغ 45.000 درهم لمصحة تتولى استئصال أعضائهم وتصديرها إلى أوربا، قبل دفنهم خلسة.
وفي المقابل يؤكد أحد رجال الشرطة في وجدة، وقد ظهرت عليه الحيرة “لم تطلعنا السلطات الجزائرية على هذا الموضوع، ونحن لا نملك أقل دليل يجعلنا نفتح تحقيقا”.
لقد ساعد إغلاق الحدود على تفشي التهريب، وأكثر من ذلك يضر الاقتصاد الشرعي، فقد وررد في تقرير البنك الدولي “إن الطريقة الوحيدة للتبادل التجاري ( بين المغرب والجزائر ) تتمثل في مرورها عبر بلد ثالث، وبخاصة فرنسا وإسبانيا .
طاقة المغرب كانت تخول له سنة 2005 أن يصدر لجاره الشرقي ما مجموعه مليار دولار المعادل لـ 2 ? من الناتج الداخلي الخام pib ، ولكن كان من جراء الإغلاق أن تحولت الجزائر من احتلالها لمرتبة الشريك التجاري الثالث للمغرب، وأصبحت تحتل الرتبة 30 ، في نفس مستوى سوريا .
قام محمد السادس ملك المغرب بالتفاتات مُطمئِنة، ففي صيف 2004 ألغى التأشيرة عن الجزائريين، وكان رد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أن ألغى بدوره بعد ثمانية أشهر هذا العائق لاجتيازالحدود .. ولكن التطلع الملكي إلى فتح الحدود لم يتحقق .
لا تترك الرباط أي فرصة إلا وتتقدم بهذا الطلب، بواسطة بلاغات أو عبر ملتقيات دولية، أما الجزائر فيكون جوابها تسويفات، فقد كان رد رئيس الدبلوماسية الجزائرية مراد مدلسي في أبريل الماضي على آخر دعوة من نظيره المغربي : “لا يمكن إعادة فتح الحدود مباشرة، هذا أمر ينبغي أن يحل ” على هامش التطور العام للعلاقات بين الجانبين”.
ماذا يختبئ وراء العبارة المبهمة؟ قراءة الصحافة الجزائرية تساعد على الفهم، فقد تحدثت صحيفة Le Jeune INDEPENDANT في الشهر الماضي بأنه “لا يمكن المطالبة الشريفة بإعادة فتح حدود يشيد بحانبها “جدار العار “. وتوضع حقول ألغام بين العائلات “الصحراوية ” ملمحة إلى السور الذي بناه الجيش المغربي في الصحراء.
الجزائر اليوم تحاول ربح نقاط في هذا النزاع الذي عمَّر 33 سنة من خلال ورقة فتح الحدود.
وإن كان بقدر أقل من الرباط، فالجزائر بدورها تعاني من مشاكل توقف عبور الأشخاص والبضائع عبر الحدود، ولكن الرخاء الاقتصادي الذي تشهده حالياً، واحتياطها من العملة الصعبة كاد أن يحطم الرقم القياسي متجاوزاً الـ 110مليار دولار، كل هذا يجعلها تحرم غيرها من المنافع ما لم تستشعر مجهودات زائدة.