سأعتمد في صياغة هذه الحلقة على كتاب الأستاذين پول پاسكون الفرنسي ، وهرمان فان دير وستن الهولندي،حول بني بوفراح ، وسأعقب على فرضيتهما بإضافات . ولا أزعم البتة أنني مؤرخ ، ولكنها ارتسامات يمتزج فيها التاريخي بالخرافي والأسطوري والسياسي والاجتماعي والأدبي ، فهي مائدة أقدمها لأعزائي ، وليختر كل واحد ما يعجبه من أصناف ، فأنا قرأت وسمعت ، وعليكم أن تستنبطوا مما سمعت ، كما في الحديث النبوي : ( فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع ) صدقت يارسول الله .
يبدو أن سكان بني بوفراح خليط من أصول متعددة ، منهم الأمازيغ ، والأندلسيون ، ومهاجرون من الغرب المغربي ومن الشاوية وزناتة ودكالة .
وسنقتصر في هذه الحلقة على مرحلة تاريخية استقر خلالها السوسيون في بني بوفراح ، وإليكم ما أترجمه مختصرا من كتاب الأستاذين :
هناك حكاية أسطورية تزعم أن سكان ب.ب. الأولين كانوا من بلاد السوس ، ومن إد بوسملال تحديدا ، وكانوا يتكلمون تاشلحيت ، ويشتغلون بالفلاحة ، ويبيعون غللهم للإسپان
اغتنى السوسيون في ب. ب. بفعل دخولهم من المبيعات الفلاحية ، ولا ننسى أن النقود ـ عهدئذ ـ كانت من الذهب والفضة ، فكثر مالهم ، ودفنوا بعضه في خبايا الأرض؛ لكن دوام الحال من المحال ، فقد داهمتهم سنوات عجاف تواطأ ضدهم الضباب الكثيف والجفاف ، فاستهلكوا ما خزّنوا من أقوات وأعلاف ، وصاروا ـ برغم ذهبهم ـ يعيشون على الكفاف ، ومما زاد الطين بلة وحاق بهم الإتلاف ، وباء الطاعون كالسم الزعاف . قاوموا الجائحة بطلبهم الألطاف ، واقتاتوا بجذور النباتات والحلازين والأصداف ( وُجدت في ب. ب. مطمورات كبيرة مملوءة بأصداف الحلزون )؛ ولكن الرحيل عن المنطقة يتعذر عليهم ، لأنهم عاهدوا الله ـ منذ أن استوطنوا ب. ب. ـ أن يتولوا حراسة شواطئ ب.ب. من الهجوم البرتغالي ، ويعتبرون مغادرتهم لب. ب. بمثابة الفرار ، وتوليتهم للعدو الأدبار ، وهو في قناعتهم عار وشنار .
لكن كثرة النوازل اقتحمت عليهم المنازل ، وليس لهم منها من عازل ، فتكلم حكيمهم جادّاً و ليس بهازل : علينا أن نرحل ! فقرروا استشارة الولي الصالح مولاي عبد السلام بن مشيش في بني عروس ، فأفتى لهم بوجوب الرحيل ، لأن حفظ النفس مقدم شرعا على الرباط . فرجعوا من حيث أتوا ، وما زلنا نسمع أن بعض السوسيين يأتون إلى ب. ب. ويستخرجون الكنوز ، ولنا عودة إلى الكنز في حلقة حفيد أبي العيال والكنز .
بقي أن نوثق رواية العالمين الإفرنجيين . يبدو أن الأمازيغ قد مردوا على الجهاد ومقاومة الدخلاء ، بل وغزو الآخرين . ومعلوم أن المجتمع المحارب يكون متنقلا من أجل الغارة أو رد الغارة ، بينما يرتبط المجتمع المسالم بالأرض يحرثها ويحفر آباره .وقد كان السوسي في ب. ب. استمرأ استقراره ، واشتغل بالفلاحة والتصدير والتجارة .
لكن صديقا لأبي العيال متعصبا لأمازيغيته اسمه الأستاذ محمد السعيدي ( كذا بالسين، وأبو العيال يصحح له بأن اسمه بالصاد الصعيدي نسبة إلى صعيد مصر ) يستفيض هذا الصعيدي في شرح صولات وجولات الأمازيغ ، ويؤكد أن الأمازيغ هم الذين سموا أرض الكنانة مصرا ، وذلك بأن أحد ملوك المغرب الأمازيغ اسمه شيشنيق وسّع حدود مملكته إلى مصر ، وتغلب على الفراعنة ، وهي المناسبة التي مازال الأمازيغ يحتفلون بها إلى اليوم باسم حكوزة أو يناير أو رأس السنة الأمازيغية في كل ثالث عشر من يناير .ويضيف الصعيدي نفسه، لقد انتصر المغاربة على الفراعنة ، واحتلوا مصر ، فلاحظوا فيها بنايات ( الأهرام ) مبنية بحجارات ضخمة ، فسموها إيمزرا ، بمعنى ذات حجارة ( من أزرو) ، ومع الفتح العربي حوّرالعرب إيمزرا إلى مصر كي تساير معجمهم . فإذا كان السوسيون ـ قبل ارتباطهم بالتجارة ـ قد بلغوا مصر ، فلا يستبعد أن يستوطنوا أرض بني بوفراح ، ودامت لكم جميعا المسرات والأفراح
حلقة رائعة من أب رائع
مقال جد مميز يستمتع القارئ في كل جزئياته لتصله المعلومة بأرقى أساليب اللغة
دمت لنا يا عمي ودامت ابداعاتك الهادفة