كان رحمة الله عليه متمسكا بأصدقائه القدامى ،وبارا بمدينته؛فأما الأصدقاء فلم يتنكر لمن لم يحالفهم الحظ من أبناء حيه الشعبي ولم يكملوا تعليمهم ، وما أكثرهم ! كان يجالسهم وينصت إلى بوحهم ، ويخاطب كل واحد منهم حسب مستواه ، يحكي لي أحدهم أنه انتقد الأستاذ لأنه نشر غسيل الحي البائس ولم يتستر ، فكان جوابه : ( هاذو غا كوينتوس ) بمعنى أنها مجرد حكايات .
وأما عن مدينة تطوان التي ازداد فيها ورحل مدة لطلب العلم والعمل ، ثم عاد إليها إلى أن دُفن فيها فإنه خلّدها في روايتين : المصري ، وباريو مالقة ، خصص الأولى للمدينة القديمة التي ازداد فيها ، ولعله كان متأثرا برواية ثرفانتيس (ضون كيخوطي) ، فإذا كان بطل ثرفانتيس قرأ كمّاً هائلا من روايات الفروسية وتأثر بها وأراد أن يتمثلها واقعيا ، فإن أنقار قرأ كل ما أبدعه نجيب محفوظ في الإشادة بقاهرة المعز وتخليدها ، فأراد أن يخلد تطوان العتيقة حتى أطلق على سارده لقب (المصري) الذي وضعه عنوانا لروايته
أما روايته الثانية ( باريو مالقة ) فإنه خصصها للحي الشعبي الذي عاش فيه منذ أن كان عمره أربع سنوات ،وقد اعتمد في سرد أحداثها على تقييدات كان يحتفظ بها وعلى المتح من الذاكرة ، وقد التقى بهذه الطريقة مع الأستاذ عبد الله العروي في روايته ( أوراق ) ، فكلاهما أظهر في روايته اهتماما زائدا بالأفلام السينمائية مشاهدةً و نقداً ؛ ولا يفوتني هنا أن أشير إلى أن عائلة المرحوم كانت ميسورة الحال ،أفضل بكثير من شخصيات رواية الباريو ، وهنا ـ في رأيي ـ يشبه محمود تيمور باشا ، كان ابن باشا ويخصص بطولة أعماله للفلاحين البسطاء وكأنه واحد منهم .
وللدلالة على تواضع المرحوم ، أورد شهادتين في حقه ؛ أولاهما في حفل زفافه ، صمم أن يقيم الحفل في بيت والديه في باريو مالقة ، ولكن بعض الأصدقاء نصحوه بأن يستأجر بيتا كبيرا يليق بالضيوف الكبار المدعوين ـ لم تكن عادة القصور وقاعات الأفراح شائعة عند بداية السبعينيات ـ ؛ إلا أنه أصر ألا يحتفل إلا في بيتهم بباريو مالقة، ومن يربأ بنفسه عن الحضور فلا حاجة لنا به .
وثانيتهما عن الوفاء للمرحومة زوجته ، فإنه ـ منذ وفاتها ـ اعتلت صحته وقل نشاطه ، ولم يعد يخرج من البيت إلا إذا كان الداعي لا يقاوم ، وبقي على حاله إلى أن التحق بها في الدار الآخرة ، رحمها الله ، ورحم كل موتانا .