هواجس الخُلعاء (العدد 144 )

كانوا في جاهلية العرب إذا اشتط أحدهم وكثرت جرائره تتبرأ منه قبيلته ولا تتحمل عنه أوزاره، فيعيش بعيداً عن أهله، وقد يصير صعلوكا مطارداً من طرف من لهم عنده ثأر، وقد يحسن سلوكه فتتولاه إحدى القبائل، ويعيش بينهم على الجوار، لكنه لا يستطيع العودة إلى قبيلته الأم، لجريرة كان قد اقترفها.
مناسبة هذا الكلام ما نشرته صحيفة ABC.ES يوم 2008/5/11 لمراسلتها     Carmen Echarri من مدينة سبتة المحتلة، تحت عنوان :

مسلمو إسبانيا الذين برأتهم المحاكم الإسبانية
منزعجون من تطويق المغرب لهم
احتشدت مجموعة إسلامية كبيرة قبل أسبوعين أمام أبواب الحكومة المحلية في سبتة، حملوا اللافتات مطالبين بأن تتعامل العدالة مع “النيني ” باعتباره واحداً من الرعايا الإسبان وليس مغربياً، كما يشير إلى ذلك المكتب القضائي الذي قرر حبسه احتياطياً .

هذا الاستعراض التضامني مع السجين الذي يعتبر واحداً من كبار مهربي (الحشيش ) على المستوى الدولي .. يخبئ هذا الاستعراض وراءه مسألة ذات شأن، وهي أنه في حالة ما إذا قرر قاضي المحكمة الوطنية فرنادو أندرو F.Andreu تسليم “النيني ” للمغرب، فإنها ستكون سابقة خطيرة حقاً، وبخاصة لمسلمي سبتة ومليلية، الذين لا يعتبرون إسبانيين بالنسبة إلى بلد كالمغرب الذي ما فتئ يردد أن “المدينتين الشقيقتين” مازلتا محتلتين.

من بين الذين رفعوا اللافتات، وعلى مرأى من رجال مصلحة الاستعلامات من الشرطة، نجد مجموعة كبيرة من الأربعة عشر متهماً الذين اتهموا بمقتل السبتيين محمد صديق، وإلياس كيمبي A.Kmbi ، والذين أطلق سراحهم بأمر من المحكمة العليا في أعياد الميلاد من هذه السنة .

قلق  متزايد
لماذا جاءت هذه المساندة؟ إن ما يبدو ظاهريا تصرفاً تضامنيا يخفي وراءه قلقاً متزايدا، كل هؤلاء متهمون في المغرب تماما كما في إسبانيا .. بمقتل محمد صديق، وبرغم أن العدالة الإسبانية أطلقت سراحهم، فإنه بمجرد دخولهم المغرب سيٌعتقلون على خلفية اعتبارهم رعايا مغاربة.

يصف عبد العلي، وهو واحد من المتهمين في هذه القضية هول هذه المسألة »أعتقد أن إسبانيي سبتة المسلمين غير واعين بحجم وخطورة هذا الحدث الذي يلطخنا جميعاً، إنه ليس حدثاً معزولاً، لقد عانينا من هذه المسألة أزيد من ثلاثة عقود ” ، ويضيف “لا أفهم كيف أن الحكومة الإسبانية لم تتدخل في هذا الشأن ولم تنشغل بأمور مسلمي سبتة ومليلية الذين يعتبرهم المغرب إسبانيين من الدرجة الثانية، ولا يعترف بهم كإسبانيين”.

هكذا هي الأشياء، وسائل الإعلام في جارنا المغرب تعتبر “النيني ” مواطناً إسبانيا وليس مغربيا، أدلى بهذا التوضيح أيضا خوصي لويس يثنار J.L.Pizarro محامي محمد الطيب، عندما كان على اتصال بإحدى أكثر إذاعات الدارالبيضاء نجاحاً . وفي كل لحظة كان عليه أن يجيب كمحام لإسباني سبتي، ويعلق عبد الإله على قضية المسمى Toss الذي يقضي عقوبة حبس في المغرب في قضية Kimbi ، وهو الوحيد في المغرب الذي سجنته العدالة المغربية لهذا السبب، مع العلم أن القضية جرت في إسبانيا :”هذا شاب إسباني من مدينتنا، تورط مع 14 شخصا آخر   في صك اتهام 5/00 ، وقد برأته المحكمة العليا من كل التحملات، فإذا به يحكم عليه في المغرب بأزيد من عشر سنوات حبساً جراء القضية نفسها التي بُرئ منها في إسبانيا، لا أفهم ما دخل المغرب فيما يحدث في إسبانيا؟ “.

ويردف عبد الإله : نحن الأشخاص المتورطين في القضية المذكورة كلنا مطلوبون من طرف العدالة المغربية، نحس بنوع من التخلي عنا من طرف حكومتنا، وبإفراغ قانوني حول هذا الموضوع، نحن إسبانيون مثلنا مثل ثاباطيرو وراخوي Rajoy ، ندافع عن إسبانية سبتة ومليلية، أكثر من أي واحد، وإذا فُرض علينا أن نضحي بدمائنا دفاعاً عن هذه الجزئية من إسبانيا سنفعل، الراية الإسبانية هي التي ترفرف فوق رأسي عندما أستيقظ صباحا، وإذا كان في هذه المدينة من يعتبرها مغربية، فليترك البطاقة الوطنية للتعريف DNI وليرحل إلى أرضه، فلا حظوة له عندنا، إذا سُلم مواطن إسباني إلى المغرب فهي الخطوة الأولى نحوه تسليم سبتة إلى المغرب، يساورنا قلق متزايد من تقليص الوجود العسكري في المدينة ، نشعر أننا بدون ظهر يحمينا”.

خلف هذه التصريحات الوافرة بالنية يوجد سلوك واضح، إذا وافقت المحكمة الوطنية بعد إطلاعها على الوثائق التي سيبعث بها المغرب بأنه ينبغي تسليم “النيني ” ، فماذا سيحدث لهؤلاء المسلمين السبتيين مع الاتهامات التي يحاكمون من أجلها في إسبانيا، أيُعتقلون في المغرب؟ هذا الغموض لازمة دالة Leit Motiv وهو الذي حرك أكثر هؤلاء الحاضرين في التجمع.

محكوم عليهما بالتفاهم
ويبادر عبد الإله قائلا :”أتفهم كيف أن إسبانيا مكتوب عليها أن تتعايش مع المغرب في سلام ووئام، ولكن لا يرضيني أن أجد نفسي كقطعة نقدية بدون انتماء، إذا كانت مشكلة المغرب تتلخص في الإرهاب، بيد أن هذا الإرهاب يسمى جوعاً، بطالة، وخصاصة، وعدالة، وتعسف سلطة، أرجو ألا يصبح تقليداً، استعمالنا ككبش فداء في الدسائس السياسية، لقد عانينا مرة، ونرجو أن تكون الأخيرة برغم أنها طالت مدة 8 سنوات، إن تسليم هذا المواطن الإسباني “النيني ” إلى المغرب سيكون سابقة خطيرة، إنه شيء لا ينبغي أن تسمح به الحكومة، ولا نتساهل نحن المتضررين، ولن نضع مصالحنا في كيس مثقوب، نحن نعيس في بلد الحقوق ويجب أن تكون هذه الأخيرة مضمونة ” السابقة القريبة من هذه التي يتولي بطولتها “النيني ” حدثت يوم 04 أبريل عندما كانت المحكمة الوطنية بصدد اتخاذ قرارها إن كان من حقها تسليم إثنين من المشتبه فيهما إرهابيين أم لا، والذين اعتقلا في مليلية ويتمتعان بالجنسية المزدوجة.
فهمت الجمعية الإسلامية أن هذا التسليم لا يخدم مصالح المسلمين، تماما كما هو الأمر اليوم إذ يستنكره الذين بُرئت ساحتهم من قضية Kmbi يقول عبد الرحمان بن يحيى، وهو الرأس الظاهر من هذه الهيئة “ليس قانونيا ” ، “لا يمكن للمسلمين أن يكونوا مثل الخنازير الهندية في يد وزارة الداخلية والمحكمة الوطنية تسخرهم في العلاقات بين إسبانيا والمغرب، لأنه من شأن هذا أن يناقض القانون المعمول به، لا يمكن منحهما البطاقة البيضاء”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top