خديجة/42/ حديث أبي العيال
الاتصال والمواصلات أو ابتزاز المقاولات ?الجلسة الثانية
استمع أيمن أخ العيال إلى أبيه وهو يحدثه عن ابتزازات عانى منها منذ زمان، وأبو العيال يغبط الجيل الجديد- جيل إبنه- على الطفرة النوعية التي تحققت في دنيا الاتصال والمواصلات، وتمنى لو أنه فيها جَذَعٌ، لكن لأيمن ابنه رأي آخر يرد به على والده
*****
ذكرت يا والدي العزيز أن أيامكم كانت سمائم، وأيامنا سعد السعود. أسعد الله أيامك أبا العيال? أي سعد تعني؟
يبدو أن ذاكرتك ضعفت مثل بصرك. ولم تعد تبصر أو تذكر إلا البعيد زماناً ومكاناً، تحدثني عن الهاتف بالدرهم والدرهمين، واللحم بثلاثين ودرهمين، وكل شيء كان عندكم بدرهم أو درهمين، ونسيت أن كل شيء في أيامنا بعشرة أو عشرتين، عفواً. نسيت أنك متشدد في اللغة، مثنى عشر عشرون، كأني بهم استكثروها فألحقوها بالجمع.
هذا ما تعلمته من أرشيفك القديم، أعود فأقول أنسيت ما جرى لي بالأمس القريب مع القطار؟ لقد اتصلت برقمي الإرشادات، الأول يجيب، والثاني يقطع المكالمة ويقتطع، ولهم ثالث، وهو من الأرقام التي تفتتح بالتسعة، أي الأرقام المكلفة جداً. فلطالما شكوت يا أبا العيال من انتفاخ فاتورة الهاتف، كنت أختلس اللحظات، وأتصل بأصجاب الرغبات، والآن كبرت وبالأنترنت استغنيت.
هذه شراكة بين الاتصالات والمواصلات، شراكة للبعض وشَرَكٌ للآخرين، ومصائب قوم عند قوم فوائد.
ومثلها شراكة أخرى عقدتها الاتصالات مع وزارة التربية الوطنية، الوزارة التي سقطت فيها أسنانك، على المجاز طبعاً، فأنت مازلت عضَّاضاً قرَّاضاً. أتذكر كيف بُشرت بالنجاح في الباكالوريا؟ إنه الـ SMS بشروني بالنجاح قبل ساعة من الإعلان عنه في الثانوية. وعندما راجعت رصيدي في الهاتف النقال، اكتشفت كم حُمِّلت من أثقال.
أي سعد هذا؟ صحيح، هم يقولون لبيك وسعديك? لكن شريطة أن تجود بما بين يديك.
ويوم ذهبت باحثا عن قنصلية أوربية، استدللت من الأنترنيت أنها في زنقة الوطني R.National ، واعتذر لي ثلاثة من أصحاب سيارات الأجرة، لأنهم لا يعرفون موقع هذا الوطني في شسْع مدينة كالبيضاء. واستعنت بالهاتف المرشد، وركبت الرقم 160 ، وقد قرأت على الجهاز العمومي أن المكالمة مع الـ 160 بوحدة اتصال واحدة، وإذا بهم يقتطعون اثنتين، وأضافوا ثالثة وقت الانتظار، وكل هذا تحملته مجبراً، ولكن الأدهى عندما سألتهم عن زنقة الوطني، قطعوا المكالمة بوقاحة ولا مبالاة. وأعدت الاتصال توّاً، فكان اقتطاع ثلاث وحدات، وصفق السماعة في أذني.
وتقول نحن في سعد السعود، أي سعد تعني؟ أسعدٌ بالاتصالات؟ أم سعد شراكتها مع التعليم والقطارات؟ إن سعدي مثل سعد هذا الوطني الذي هُمِّشَ في زنقة لا يهتدي إليها سواق الطاكسي، وكان أولى بهذا الوطني، أن يعامل مثل هوفويت بوانيي، ولكن هذا قدر كل ماهو وطني.
كتبت يا أبا العيال يوما عن التهميش الذي يطول ?العموم? مثل المستشفيات العمومية والأشغال والمختبرات، ونسيت ?الوطني? ها أنا أتداركه عليك بيد أن كل مكتب وطني يعاني من شلل أو عاهة، ولا تعود له النقاهة، إلا بعد تفويته لذوي النباهة، وهذا أمر مؤكد بالبداهة، ونحن في عي وفهاهة. ماذا بقي لنا من وجاهة؟ تلكم ابن العيال، وبنزاهة.