جمعت الصدفة أبا العيال المألوف، بأبي عيال آخر، ويبدو أن الأول تضايق من الثاني، فكانت هذه المناظرة
*****
– تزعم أنك أبو عيال مثلي يا مجنون? وأنك تعاني من الصعوبات والحزون، وعيالك مثل عيالي يتعبون، لكن حسبك يا مأفون? عيالك في مدارس البعثات يدرسون، وإلى الخارج بعد الباكالوريا سيبعثون أما أنا فعيالي في مدارس العموم ساهدون، وفي تعلم اللغات زاهدون، ووراء لقمة العيش لاهثون، وأصحاب التجارب بهم عابثون، وبعد تخرجهم في البطالة ماكثون، عيالك بعد عودتهم أرقى المناصب يتسنمون، وعيالي لروائح الفساد يتنسمون
– مهلاً أبا العيال? الطبع يغلب التطبع، وكل إناء ينضح بما فيه، فأنت بحساسيتك الزائدة تمطرني بالأحكام الجاهزة، وتنعتني بالأوصاف النابزة، ولم تصن لي إلا ولاذمة، تطيل لسانك بذمي، وتتحذلق في الكلام، ولا شيء غير الكلام، ولن أنعتك بالجنون ولا فنون، فلست منهما، أنت من طينة الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، أنت كائن مستهلك، لا تنتج أي شيء، وتطالب بكل شيء، أين أنت مني؟ أنا أعول مئات العوائل، وأوفر لها الشغل ولقمة العيش، وأضخ في خزينة الدولة مبالغ منها أنت تعلم أبناءك وتعالج أدواءك
– أنت محتال سرّاق، سلعتك تغزو الأسواق، وتنافس الصين وجزر الوقواق، وتملأ السوق إلى حد الإغراق، فينسحب المنافسون باختناق ثم تحتكر التجارة على الإطلاق، وتضخم المصاريف بالكذب والنفاق، وتزعم أن منشأتك آلت إلى إخفاق، ومن الحيطة تقدم الهدايا كالترياق، وعلى نفسك تغدق بالإنفاق
– يقول الشاعر وإذا أتتك مذمتي من ناقص ? فهي الشهادة لي أَنِّيَ كامل
أنا أقرُّ بما قلت، فقولك -على علاته- يوافق حسن التدبير، فالتجارة شطارة، والتسيير مهارة، ومادمت أحسن لعبة التصريح بالممتلكات، فما ذنبي إذا انهال علي الخير والبركات؟ دعك أبا العيال من ذا وكأنه، وانزل إلى السوق واعرف كنهه، ستجد البقاء للأقوى شرعه، فما كنت تعيرني اهتماماً وأنا مفلس، الناس لا يلتفتون إلى الضعيف المنهار، وما كنت لألتفت إليك لولا وقاحتك، تسمي نفسك أباً للعيال، وأنت نفسك عائل، فرَّخت سبعة أو ثمانية، المريض منكم يعالج بالمجان، والتعليم كله بالمجان، والتوظيف للمتفوقين منكم بالمجان، ألم أقل إنك عائل وهم عيال؟ كلكم عالة علىّ وعلى أمثالي، أما عيالي فبنت وولد، هما كل عيالي، لست متلك ؟؟؟؟؟ يتعدى أصابع اليدين، أغطي من جيبي كل تكاليف الصحة من التلاقيح إلى تقويم الأسنان، وأدفع من أجل تعليمهما أغلى الأثمان، أنا لا أكلف خزينة الدولة قرشاً واحداً، فانظر كم تكلفها أنت بفرقتك البائسة
– أنت لا تكلفها قرشاً لأنك قرش بحاله، قضمة منك تفوز من المرء برجله أوطحاله أما التغطية فيحتاجها الغارق مثلي في أوحاله، وليس من كان مثلك دافئاً في رحاله، ثم إن هذا حق لنا ياذا المنان بماله أمثالي من يكتوي بالغلاء في حانوت بقَّاله، دخلك يزري بدخل أبي العيال ومائة من أمثاله، وتشتري المواد المدعمة للفقير وعياله، بنفس الثمن كأنك تعيش في حاله
– أو تريدني أن أبتاع البنزين والسكر، بأضعاف ما تدفعه أنت؟ تلك إذن قسمة ضيزى، وليس كل طائر يؤكل لحمه، أحمد الله لأننا لا نطالب بالامتيازات، حتى نوفر لكم مناصب شغل وإنجازات
– الحمد لله على العموم، لقد بدأت في الانقشاع الغيوم، وبعد شهر-من يدري- أو ألف يوم، يصبح للتصريح بالممتلكات لزوم، ويؤدي أمثالك ما عليهم من واجبات ورسوم، لن نسألك من أين لك هذا ياظلوم؟ عفا الله عما سلف من قضاء محموم، الاغتناء السريع والاختلاسات ملفها مشؤوم، كملف سنوات الرصاص كلاهما مخروم، لكن يكفينا جبرا لخاطرنا المهموم، أن تواظب على إخراج حق البلد المهضوم، فهذا حق للسائل والمحروم وليس تفضلا منك يا غشوم