عائد من وانتانامو
– اعلم أبا العيال أن كلامك غير منطقي، وحديثك يهز شعرة في مفرقي، ترصف كلاما مثل سجع الكهان، لا يردع مسيئا ولا يشفي ولهان، لا أحد يعبأ بخطبك، وإن جثوت على ركبك، نحن في زمن الدرهم فأدل بدرهمك، لن تستقوي بكتاباتك بل بدرهمك
– اصمت يا مؤتفك، فما شاهدت أثقل من دمك، صحيح أن الشعب في طلب الخبز منهمك، ويشك في كل من في الحكومة يشترك، فلطالما شاهدنا فلانا يجادل ويشتبك، ويتظلم من السلطة وينهلك، وبلمح بصري أو بصرك، ألفيناه حول المناصب يعترك، ويتقن أكل الكتف والورك، وأنت مثله لا يرف لك رمش ولا ترتبك، تأكل سُحتا أقوات أمتك
– أننت مخطئ يا أبا العيال، أنا مواطن من خيرة الرجال، أجر قاطرة التنمية وأستخلص الأموال، بيد أني من رجال الأعمال، ولست مثلك كل رأسمالك أقوال، ما فتحت معملا و لاحبكت خيطاً على منوال
– أنت لا في العير ولا في النفير، ولا ناقة لك في التنمية ولا بعير، ولا شأن لك بالإصلاح والتذكير، كل همك صفقة قماش أو حرير، ومن ريعها تتجول في البلدان كالسفير، وتغدق على نفسك بسرف وتبذير، يا حسرتى عليك يوم يأتيك منكر ونكير
– أنا أجرأ منك، أنا عائد لتوي من وانتانامو، لقد كانت حقا نزهة قلما يجود الدهر بمثلها، ركبنا من ميامي في فلوريدا، وفي طريقنا إلى كوزوميل بالمكسيك مررنا بمحاذاة وانتانامو في كوبا، وحدثنا ماركوس عن بطولاتها وما شهدته من ملاحم، حسبته للوهلة الأولى يعني المعتقل السيء الذكر فأحجمت عن الإصغاء، لا أريد تنغيص رحلتي بحديث الغوغاء، إلى أن اكتشفت أنه يقصد أغنية كوانتانامير ?GANTANAMERA? للشاعر الشهير خوسي مارتي، وكُتبت للأغنية أن تخترق محليتها في كوبا وتنتشر في كل أمريكا الجنوبية والولايات المتحدة، ثم انتقلت إلى أوروبا، فأصبحت أغنية عالمية، تغنى بها توم جونز، Tom JONES الانجليزي وخوليو إيليسياس J.Iglesias الإسباني، هذا الأخير مدين بشهرته لهذه الأغنية، بها بدأ قبل أن يفوز في الأورويزيون ويسطع نجمه
– حسبتك ستحدثني عن المعتقل والإرهاب، ومن يعيش في الزنزانة والسرداب، وحقوق الإنسان وقانون الغاب، ومن المظلوم ومن الظالم المرتاب، والحرية والشفافية عند الانتخاب، والمعارضة التي تتبادل مع الأغلبية والأنخاب فإذا بك تخالف كل حساب، وتنتقل عبر البلدان مثل الشهاب، وتستمرئ الحديث عن الطرب بدل العذاب
– دعك من كل هذا وقم برحلة مثلي يا إنسان? لم يحلم بها ابن بطولة ولا السندباد الربان، ها أنت في ويرتوريكو وبالضبط في سان خوان، تحسرت وكأنك في ساحة مولاي المهدي بتطوان، تتشابه المدينتان في سحنات أهليهما وفي العمران، وفي مخلفات المعمرين الإسبان، وتغادر سان خوان في أمان، وتمخر عباب الكرايبي والخلجان، وترسو في قرطاجنة وغيرها من الشطآن، وسبحان الواحد الديان، كتب لأهل قرطاجنة السفر من لبنان ليعمروا أفريقية وبلاد الإسبان، ويُحمل اسمهم إلى كولومبيا الأمريكان وارحل من كارتاخينا مثلي يا عيَّان? واعبر قناة باناما بسفينة تصعد ككفة ميزان، واستجمم في كوستاريكا قبل فوات الأوان، ولا تنس أكابولو بالمكسيك يا حيران، فأنت على ساحل المحيط الهادئ الفتان، ألم أقل لك إنك عيان، تتحدث عن الويلات المتحدة التي تصيب الشعوب منفردة، زلزال أو فيضان أو غزوة من قاعدة، وأخيرا أنفلوانزا الطيور الواعدة
وتذكر البناء العشوائي واليتوهات المتزايدة، وتستنكر العزوف عن التصريح بالمملكتات وما تدره من فائدة
هذا كل رصيدك، ولعلمك يا أبا العيال فإن مصطلحاتك هذه تعني عندكم غير ما تعنيه عندنا، وكل يغني على ليلاه، التصريح بالممتلكات نستعمله -نكاية في أمثالك- لنعت اللعوب التي تتبرج وتبرز ممتلكاتها، ونتندَّر أيضا بالبناء العشوائي، كلنا يكره البناء العشوائي، أنتم تحاربون الصفيح، ونحن نترصد القد المليح، أما من اكتنزت لحماً وطبقت شحما، فذلك بناء عشوائي، قبيح