تعريب إدريس اعفارة المحمدية
تعتبر القصة القصيرة جدا جنسا أدبيا حديثا، عرف أولى خطواته مع بداية القرن العشرين في أمريكا اللاتينية، وهنالك تطور وازدهر على يد ثلة من المؤلفين الكبار، من بينهم المكسيكي لاورو زابالا، ذو الحضور الوازن في هذا الميدان.
أما في المغرب، فقد ظهرت باكورة هذا الجنس الأدبي خلال ثمانينيات القرن الماضي، وبالضبط سنة 1983 على يد القاص المغربي محمد إبراهيم بوعلو، الذي كان ينشرها أسبوعيا في جريدة المحرر، تحت عنوان: خمسون قصة في خمسين دقيقة؛ بحسب ما ذكره الأستاذان: جميل حمداوي، وعيسى الداودي
يشتغل في المغرب حاليا أزيد من خمسين كاتبا على هذا الجنس الأدبي، ويتجاوز عدد المنشورات مائة مجموعة قصصية قصيرة جدا، الشيء الذي يؤكد أن هذا اللون قد تقوى، أو على الأقل في طريقه إلى ذلك. في هذه القائمة (الطويلة)، نجد واحدا من كتاب الق. ق. ج. مميزا بعمق نظرته وتمكنه من تقنية الكتابة واطلاعه الموسوعي والكوني؛ بالتأكيد إنه مصطفى لغتيري.
مصطفى لغتيري واحد من الكتاب المغاربة الأكثر تميزا فيما يمكن أن نطلق عليها : التوجهات الجديدة في أدب الإيجاز ، أو أدب الق. ق.ج. تحديدا أو أدب البونساي (استنبات شجرة كبيرة في أصيص صغير). إنه مؤلف أربع مجموعات من الق.ق.ج. أو الميكروقصة: ـ مظلة في قبر 2006 ـ تسونامي 2008 ـ زخات حارقة 2013 ….. إنه حقا كاتب متعدد التخصصات ، كتب في أجناس أدبية أخرى من قبل ومن بعد ،ويمتاز بكونه مهندسا معماريا في عالم الق.ق.ج. ألّف في جنس الرواية كذلك ،و له سبع روايات : ـ رجال وكلاب 2007 ـ عائشة القديسة 2008 ـ ليلة إفريقية 2010 رقصة العنكبوت 2011 ـ ابن السماء 2012 ـ على ضفاف البحيرة 2012 ـ تراتيل أمازيغية 2013 وله أيضا مجموعتان قصصيتان : ـ هواجس امرأة 2001 ـ شيء من الوحل 2004 حصل على جوائز عدة ، منها : ـ جائزة ناجي النعمان الأدبية ( لبنان) ـ جائزة ثقافة بلا حدود ( سوريا) عن القصة القصيرة ـ جائزة دار الحرف ( المغرب) للرواية. ـ تم تكريمه من طرف الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب بالإضافة إلى اعترافات أخرى بمكانته. وهو عضو في اتحاد كتاب المغرب، منذ 2002، وسبق أن تولى إدارة الصالون الأدبي بالدار البيضاء، الذي أُسس عند منتصف العقد الأول من القرن الحالي بيد ان المهم عندنا من كل جوانبه الأدبية هو هذا الاقتدار اللامحدود على تكثيف الرؤى والتغلغل التحليلي والحكي متعدد الانزياحات، بنصوص غاية في الاختصار والتكثيف. ومن أجل تقريبه من جارنا القارئ (الإسپاني اللغة)، والذي نتقاسم معه قرونا من الاهتمام المشترك بالأدب، تركت بصماتها في الجانبين؛ انتقينا نصوصا لهذا الكاتب لنقدمها مترجمة إلى الإسپانية . حقا! نحن في الوقت الراهن لم نعد نتبادل الاهتمام بأجناس معينة من قبيل (الخرجات القديمة، والشعر المغنَّى، والحكايات، إلخ.) ولا مؤلفين، ولا مدونات؛ كالمستعرَبات (اللغة التي التقى فيها الرومانسي اللاتيني باللغة العربية) وكُتبت بها الخرجات المذكورة سابقا؛ والتي يعود الفضل في الحفاظ عليها لمؤلفي الموشحات الأندلسيين؛ وكالأعجميات (شعرباللغة الإسپانية مكتوب بحروف عربية، والذي يُحتفظ منه بأزيد من مئتي مخطوط) لنتبادل على الأقل المعلومات حول ما يقوم به كل منا في حيزه وبِلُغته، وبهذا نيسر سبل تعرُّف الإسبان على المغاربة، والمغاربة على الإسبان في الوقت الحاضر، عن طريق الترجمة. ومن المحتمل جدا ، بعد الاطلاع على تدويناتنا ، أن تكون فرصة لنرى باندهاش وحبور ، ما يجمع بيننا من شبه وجسور .
“1”- عزيز أمحجور أستاذ باحث من جامعة محمد الأول بوجدة ، متخصص في الدراسات الإسپانية ، يهتم في كتاباته بالتقريب بين الحضارة المغربية الأندلسية ونظيرتها في العالم الناطق بالإسپانية ، وقد تجاوز اهتمامه الدراسات التقليدية التي تركز على التراث المشترك إلى التعريف بالأدب المغربي المعاصر ؛ وفي هذا الإطار يندرج موضوعه الذي نحن بصدد تعريبه وقد نشرت مجلة ألضابا ALDABA الفصلية في عددها 21 ( ربيع 2013) جزء الموضوع الأول والمتعلق بتعريف القارئ في العالم الإسپاني بالكاتب المغربي مصطفى لغتيري وبإنتاجه القصصي ، وأرجأت نشر النماذج المنتقاة من قصصه القصيرة جدا إلى العدد22 (صيف 2013 ) . مجلة ألضابا REVISTA ALDABA :
“2”- اسم المجلة مأخوذ من اللغة العربية ، الضبعة ، وهي في الأصل لحمة العضد للإنسان وغيره ، واستعيرت عند الأندلسيين لتعني المقرعة المعدنية التي تطرق بها الأبواب التقليدية؛ واختارته المجلة اسما لها لغايتين، أولهما الحنين إلى اللغة العربية ، وثانيهما الدلالة على الصدى ، فقد اعتُبر الأعشى قديما صناجة العرب للصدى التي يتركه شعره . وحنين المجلة إلى العربية ليس جديدا عليها، فهي أيضا نتاج جمعية فنية أدبية في إشبيلية تطلق على نفسها اسم اعتماد ITIMAD ؛ أسس الجمعية مثقفون وفنانون إسپان ، وسموها على اسم اعتماد الرميكية ، الشاعرة الإشبيلية التي تزوجها المعتمد بن عباد وهو أميرعلى إشبيلية، ثم رافقته في نكبته إلى أغمات . وكان المعتمد يلقب بالمؤيد بالله، وبعد زواجه باعتماد غيّرلقبه إلى المعتمد. وكان يدللها كثيرا، وينفق عليها بسخاء، وقصة قوله لها بعد النكبة: (ولا يوم الطين ؟!) مشهورة. جمعية اعتماد تهتم بالثقافة والفن، وتصدر مجلة ألضابا الفصلية، التي أخذنا منها أصل هذا الموضوع.