من وحي قارب بني بوفراح ـ الحلقة السادسة

عاش اليهود في بني بوفراح زهاء أربعة قرون ، لم يتعرضوا خلالها للاضطهاد ولا لمضايقات ؛ أما شظف العيش فكان قاسما مشتركا بين المسلمين واليهود ، لتوالي سنوات الجفاف والفتن ؛ فقد عانوا جميعهم من هجومات الألمان على شواطئهم والبرتغال والإسپان بذريعة أنهم قراصنة يعترضون سبل السفن ، بينما يعتبر البوفراحيون وكل قبائل الساحل الريفي المتوسطي أنهم يقومون بالجهاد البحري انتقاما ممن طردوهم من الأندلس وبادس ؛ وكان المخزن نفسه يقوم بحملات تأديبية  عندما يتلقى شكوى من دولة أوروپية ( حملة بوشتى البغدادي ، وحملة جيش محلة  السلطان الحسن الأول ) وتمرد الروكي بوحمارة وتعقب المخزن له ؛ والمجهود الحربي لثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي . كل هذا أثر اقتصاديا على الريف الأوسط ، فكان الخصاص واضحا .
برغم الوضعية المزرية فإن اليهود لم يضطهدوا في دينهم ، ولم تسلب أموالهم . صحيح ، كان هناك احتقار لغير المسلمين من اليهود والنصارى بشحن من الفقهاء المتشددين ، وللعداوة المستحكمة ضد الغزاة . ومع ذلك بقيت مكانة اليهودي رفيعة . وصحيح أيضا أن البوفراحي البسيط لا يميز بين اليهودي والصهيوني ، ويضعهما معا في خانة الأعداء الذين احتلوا فلسطين ونكلوا بأهلها ، لكن المستنيرين يميزون بين الطائفتين .
رحل اليهود عن بني بوفراح، ولم نودعهم بحزن ولا بأفراح، ولكن بعض الصهاينة منهم يعمّق الجراح .
وسأحاول فيما يلي أن أسجل بعض الذكريات متحاً من الذاكرة ، ومستعينا بكتاب صديقي الدكتور السعيد بنفرحي الموسوم باليهود في الأمثال العربية العامية والفصيحة ، سآخذ منه بعض الأمثال، وأضيف أخرى و ما يحضرني من تمهيد أو تعليق .
اليهودي الذليل
لدينا في التراث ، وفي حكم المسلّم به أن اليهودي يتصف بالذل ، وذلك لأنه كان يعيش على الجوار ، ولا يشارك في الحروب ، وقلما تسند إليه مهمة حربية ، ففُسر تقاعسه هذا بالذل . وكلنا يعرف قصة الشاعر اليهودي ابن سهل الإشبيلي الذي أبدع شعرا وزجلا رفيعين في الغزل ، فتساءلوا عن سر رقة شعره ، فقالوا : اجتمع فيه ذلان ، ذل العشق ، وذل اليهودية .والمثل الذي يقول : ( فلان لبس شاشية اليهودي ) كناية عن الذل والهوان .
ولعل نظرة البوفراحيين بعين الريبة إلى الفتاة يلخصها المثل التالي : ( ملي تتزوج البنت يخلع أبوها شاشية اليهودي ) يعني أنه كان مهددا بالعار قبل تخلصه منها بتزويجها .
اليهودي التافه
قيمة اليهودي فيما يملك ، والمثل يقول : ( بحال اليهودي مزلوط ، لا دنيا لا آخرة )
ولا ينتظر جزاء من إسداء معروف لليهودي  ( بحال اللي حسّن لليهودي ، لا أجر ولا منفعة )
وهو هامشي دوما ، لا يعيش كما يعيش المسلمون  كالفلاحة والتعمير: ( بحال اليهودي ما يفلح ما يبني )
التطاول على اليهودي
قلنا سابقا إن اليهودي كان يقدم خدمات دون أن يشترط أجرا عليها ، ويمكن للمسلم أن يتطاول عليه ويسلبه بعض ممتلكاته لأنه ليس لليهودي ظهر يحميه ؛ ولكن أخلاق المسلمين لم تكن تسمح لهم بالاعتداء على اليهود ، بدليل أنهم عاشوا في المغرب قرونا عندما اضطهدهم غيرنا ؛ إلى أن رحلوا مختارين وليسوا فارين . ولعل أوضح مثل يعبر عن التطاول على اليهودي قولهم : ( بحال جنان اليهودي ، الماكلة فيه واللعنة فيه )
تديّن اليهود
يعترف البوفراحيون بأن اليهود متدينون ، ويمارسون شعائرهم ، ويحرمون ما حرمته عليهم شريعتهم، وما زلت أحفظ منذ طفولتي وصية اليهودي لابنه : ( ما تاكلشي قنينو باش تدخل لجنينو ) يعني لا تأكل لحم الأرنب كي تدخل الجنة ، فلحم الأرنب عندهم حرام .
ومثل آخر : ( بحال اللي كايعسر اليهودي يسلم ) يدل على تمسك اليهودي بدينه .
وأكثر من هذا ، سمعت مرارا أنه عندما يحل موسم الجفاف ، ويخرج الناس لصلاة الاستسقاء ، سمعت عوام المسلمين يقولون : لن يغيثنا الله إلا إذا خرج اليهود مستسقين ، لأنهم أذلة ، والله يستجيب لدعواتهم .
خداع اليهود
يحتاط المسلمون من خديعة اليهود ، ويسمونها ( الربعة د اليهود ) ، وفي هذا الصدد يقول المثل : ( إذا شفت الفاسي مشموت اعرف السوسي شمتو ، ويلا شفت السوسي مشموت اعرف اليهودي شمتو ، ويلا شفت اليهودي مشموت اعرف من عند الله جاتو ) لأن اليهودي لا يقدر على مكره إلا الله سبحانه .
مزايا اليهود
برغم الاحتقار والوصف بالذل والخداع ، وبرغم التطاول أحيانا على اليهودي ، فإن المسلمين كانوا يقدّرون كفاء اته ، وإليكم هذه المجموعة من الأمثال نقلت جلها من كتاب الدكتور بنفرحي وطعّمتها بأخرى من محفوظاتي .
كان الشاعر اليهودي ابن سهل الإشبيلي يتجول في البحر على مركب مع حاكم سبتة ، فغرق الرجلان وماتا ، فقالوا عن ابن سهل : ( عاد الدر إلى وطنه ) اعتبروه حلية نفيسة .
ـ خذ الصنعة والحرفة من اليهود والشرفا .
ـ اعمل الخير فاليهود يحفظك الله من العدا والحسود .
ـ ما يقتل الزفورية في الحلامة  والبورية غي طبخ اليهودية
ـ كل طعام اليهودي وما تنعسش في فراشو
ـ لما غادر اليهود المغرب توجه بعضهم إلى دول أخرى فنجحوا ، فقال عنهم الحسن الثاني رحمه الله : ( فقدنا مواطنين ، ولكننا ربحنا سفراء جيدين )
إنهم جيدون لولا تواطؤهم مع الصهاينة وتنكرهم لحق الشعب الفلسطيني المشروع في أن يعيش فوق أرضه بكامل صفات المواطنة ، بيد أن حل هذه المشكل يحتاج إلى ( ما هي وما لونها )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top